لصوص ..

اللصوص أنواع، منهم من يسرق الكحلَ من العين، ومن يسرق الطفلَ من بطن أمه، حسب تصنيفات اجتماعية، وهي تصنيفات «قياسية» تتقصى مستوى خطورة ومهارة هؤلاء اللصوص في مهنتهم، التي يلزمها مقدار من احتيال حين يتعلق الأمر بالعين والكحل والبطن والجنين..والوطن والحنين.

قبل أيام تواصلت معي قارئة قديمة، مضى وقت لم أسمعها وكنت قد نسيت تماما رقم هاتفها ومهنتها، لكنني فوجئت برسالة تصلني منها على هاتفي؛ فحواها أن شابا أنيقا زارها في «العيادة» مراجعا، استطاع أن ينال اهتمامها وثقتها، للدرجة التي ارتاحت لوجوده ولم تكترث كثيرا لمسألة ترك حقيبتها على مكتبها دون «تأمينها» في إحدى خزائن العيادة، فاستغل الشاب الأنيق «ابن الناس» الثقة ، ونبش في حقيبتها، وصادر كل مافيها من نقود وأوراق ثبوتية وغيرها، فكتبت لي مصدومة بهذا الموقف، وكان شعورها كله أسى على مستوى أخلاق وتفكير وانمساخ الفاعل، أكثر منه شعورها بالانخداع وضياع بعض النقود والأوراق..

تحدثني القارئة المحترمة عن «فقدان الثقة» وما يرتبط به من فقدان أمان، حين يستغل مثل هؤلاء هدوء وطيبة ورفعة أخلاق الناس، ويقومون بسرقتهم وخداعهم احتيالا ثم إجراما، تتساءل : «ليش بيعملوا هيك»؟ كيف نخلص المجتمع منهم؟

وتقول القارئة المحترمة: أنا أسير الآن بلا أي نوع من إثباتات الشخصية الرسمية.. تخيّل!.. لا أعلم ما الذي يريده مثل هذا «المريض» من سرقة هوية الأحوال خاصتي؟ بعد أن سرق المحتويات والنقود الموجودة في الحقيبة!!

لا أستغرب أن يقوم قاتل بالسير في جنازة من قتل، ويصرخ ويولول ويملأ الدنيا صخبا متأثرا بحادثة القتل التي هو الجاني والقاتل المجرم فيها، أمثلة هؤلاء في المجتمعات كثيرة، ولا مجال لوضع شرطي ومرشد مع كل مواطن، يعلمه كيف يثق في ناس القرن الواحد والعشرين، لكن الوعي بالوضع العام قد يساعد على توصيل فكرة ما للبسطاء الطيبين، الذين يضعون ثقتهم في كل الذين حولهم، ولا يتوخون حذرا حين التعامل مع الغرباء عن حياتهم..

أخطر اللصوص هم من يسرقون أوطانا، ويضعون مستقبل مواطنيها في مهب ريح السياسة السوداء، وهؤلاء بالطبع لا يمكن كشفهم بسهولة، وحين الكشف عنهم لا تكون عملية محاكمتهم أو التخلص منهم عملية ميسرة، لأنهم ومع الزمن والخبرة، يدشنون بنية تحتية تتجذر في أساس الدول الفقيرة وغيرها، ويكونون بمثابة «حكومات» لكن من عصابات، تفرض منطقها الشاذ على الوطن، ولا مجال للصمت أو التغاضي عن خطورتها والاعتراف بوجودها كحقيقة..

لا إحصائية في حوزتي عن اللصوص وأنواعهم، لكن لدينا جميعا إحصائية عن حجم ونوع مسروقاتهم، ويكفينا نظرة واحدة للذي يجري حولنا، لنفهم أنهم موجودون بيننا بكثافة..

كل واحدة تنتبه لحقيبتها خصوصا حقيبة القلب، لأن نوعا منهم(اللصوص) يختص في سرقة القلوب والعبث فيها، وربما بيعها أيضا، واحذروا على بطونكم ومن فيها وما فيها.. فاللصوص مهرة وكثر..

أما أنت :

«ديري بالك ع كحل الوطن ودمعه.. فهو حدود عيني وقلبي أيضا».