انهم يحرقون الأرض تحت أقدام مرسى..!

كل ما يدور فى مصر هذه الأيام يشى وربما يعلن بوضوح شديد أن هناك محاولة لحرق الأرض تحت أقدام أول رئيس مدنى منتخب للبلاد.
والغريب أن المحيطين بالرئيس يساهمون فى تغذية هذه الحالة من الاحتقان والاحتدام، من خلال تصرفات تشعل الغضب وترسل إشارات للجميع بأن كل شىء يمضى «على قديمه» وأن هناك نزوعا لاستعادة آلة نظام مبارك فى التعامل مع كثير من القضايا.
ويقف الأداء الحكومى فى ملفات ساخنة مفتوحة هذه الأيام، مثل الإضرابات العمالية (عمال النقل العام نموذجا) والاعتصامات الطلابية (كما جرى فى جامعة النيل) شاهدا على فقر مدقع فى فكر الحكومة وأجهزتها، بدت معه إدارتها للأمور امتدادا طبيعيا واستنساخا كاملا لما كان متبعا أيام النظام السابق.
ويأتى العنف المفرط من قبل الشرطة فى التعامل مع إخلاء ميدان التحرير، وفض اعتصام طلاب جامعة النيل، فى مقدمة الأدلة على أن هناك من يتعمد توجيه رسائل لمن يهمه الأمر بأن تغييرا لم يحدث عما كان سائدا فى نظام مبارك.. وكأن هناك حالة تعمد لدفع الناس إلى الإحساس باللا جدوى، واليأس من التغيير، وربما الندم على اختيارهم.
ولا ينفصل عن ذلك ملهاة كتابة الدستور، وما يثار حولها من شكوك ومخاوف وهواجس لها ما يبررها، فى ظل هذه الحالة من الضبابية التى تدار بها الأمور، وتحرج الرئيس أمام الرأى العام، خصوصا أنه كرر تعهداته بإحداث التوازن والتوافق المجتمعى فى عملية كتابة الدستور الجديد.
لقد كان المنتظر بعد الخطوات الجريئة التى قطعها الرئيس مرسى للإمساك بزمام الأمور، وانتزاع صلاحياته كاملة أن تشهد البلاد نوعا من الهدوء والاستقرار، غير أن سيناريو حصار الرئيس شهد انتعاشا ملحوظا، من خصوم هذه التجربة، بمساهمة بعض المحسوبين على الرئيس وحزبه، ويمكنك فى هذا الصدد إحصاء كثير من الأزمات الناجمة عن تصريحات مزعجة صدرت من المقربين من الرئيس، وضعته فى مواقف شديدة الحرج، وجدت الرئاسة نفسها فيها تقوم بدور الإطفائى فى حرائق صغيرة ما كان ينبغى لها أن تنشب، لولا أن البعض اعتبر نفسه جزءا من منظومة الحكم لمجرد أن علاقة حزبية أو تنظيمية كانت تجمعه بالدكتور مرسى قبل أن يصبح رئيسا.
وبلا مبالغة أو تزيد يمكن القول إن الرئيس وكما تخلص من سطوة المجلس العسكرى على القرار الرئاسى، بات مطالبا بالقدر ذاته أن يتحرر من تدخلات جماعته ومحبيه ــ ومن الحب ما قتل ــ فى إدارة العملية السياسية الحالية، على اعتبار أنه وكما تعهد فى بدايات حكمه رئيس لكل المصريين، دون تفرقة وتحقيقا للمساواة الكاملة فى المواطنة.
باختصار على الرئيس أن يكسر حصارا هو أخطر بكثير من ذلك الحصار الذى كان موضوعا فيه قبل أن يتمرد على عسكرة السياسة.. وعلى جماعته ومحبيه أن يثبتوا حرصهم على إنجاح تجربة الرئيس المنتخب، ولن يتأتى ذلك إلا بالكف عن إثارة دوائر الفزع فى كل الاتجاهات.