لماذا استهداف طاهر المصري في هذا الوقت
الرابط يمكن توقعه ببساطة بين مقال لكاتب مغمور وغير متمرس يعمل موظفا في جهاز الدولة، تنشره صحيفة الحكومة الأردنية 'الرأي' ضد رئيس مجلس الملك 'الأعيان' طاهر المصري، وبين إعلان ناشط مثير للجدل بأن محطته المقبلة في استعراض اعتصامات التشهير بالفساد ستكون منزل المصري.
إدارة صحيفة 'الرأي' سمحت بالتهجم القاسي على المصري، تمهيدا في ما يبدو لوقفة الناشط الإشكالي حسام العبداللات الجديدة على بوابة المصري، في إطار اتجاه واضح عند بعض الأوساط التي تحرك المشهد للبحث بأي ثمن عن رمز من فئة اجتماعية محددة للفساد في القطاع العام.
والرابط بين الحدثين له ما يبرره، فجهة ما على الأرجح داخل جهاز الحكومة وليس خارجه، تسعى فعلا لتصفية حسابات سياسية مع المصري، الذي نجح رغم كل شيء بالبقاء وجها حضاريا ديمقراطيا يحظى باحترام رموز الدولة والمعارضة والحراك معا في الأردن.
في الأردن لا تنشر صحافة الحكومة عموما مقالات بالعادة ضد رؤساء مجالس الملك إلا في حال وجود تعليمات أو توجيهات من جهة ما.
والمصري حافظ على مسافة واضحة تنسجم مع شخصيته الناعمة من كل ما يجري في الساحة، وحاول مرارا وتكرارا عبر لجنة الحوار الوطني التي ترأسها إعفاء مؤسسة النظام من العودة عمليا للاقتراحات التي تقدم اليوم كعروض مجانية للأخوان المسلمين.
ومستويات الخلاف بين المصري وبعض مراكزالقوى اليوم تجاه العديد من الملفات والقضايا لا يمكن نكرانها، لكن البناء على ذلك والسماح بالتحرش به في الإعلام الرسمي وفي بعض خلايا الحراك، التي تدعي المعارضة، يؤشر الى استهداف الرجل لأغراض غير واضحة، خصوصا بعدما تردد حول نيته مغادرة موقعه الرسمي الرفيع بسبب عدم الانسجام مع بعض الاجتهادات النافذة في مؤسسة الحكم.
لكن رجلا بمواصفات المصري، وحسب عضو البرلمان البارز خليل عطية، يستطيع المغادرة بهدوء وبدون حملات تشويه مقصودة وعبثية، وكذلك بدون تحرش بائس لا مبرر له، ليس فقط بسبب ما يمثله المصري أو بسبب خدماته الجليلة للدولة وللنظام ولكن أيضا لانه شخصية محترمة دوليا وإقليميا.
لذلك يقول عطية بأن الإساءة للمصري بأي نمط أو شكل تبدو 'جارحة' لمؤسسة النظام نفسها، فالرجل لا يزاحم ولا يناور وواضح جدا ولا علاقة له بكل ما يردده الشارع عن جميع أنواع الفساد والإفساد.
الناشط حسام العبداللات، وهو موظف غاضب في الحكومة، أثار جدلا عندما تعافى من جراحه التي أصيب بها بعد ضربه بقسوة ووحشية على بوابة رئيس الوزراء الأسبق عبد الرؤوف الروابدة في لحظة غاب فيها الأمن عن المشهد.
العبداللات عاد للأضواء منتصف الأسبوع بمؤتمر صحافي في منزله، واختار بداية غريبة لإكمال مشواره الأكثر غرابة، حيث تجاهل كل ما أعلنه في السابق عن خارطة النخب التي سيشهر بها، وأعلن أن المحطة التالية هي منزل المصري، معترفا مباشرة بأن الأخير ليس مطلوبا للشعب بعنوان الفساد، ولا يعتبر رمزا من رموزه، لكنه جزء من حلقة الفساد السياسي، كما قال العبداللات.
هنا حصريا يعيد العبداللات إنتاج أولويات مجموعته التي لم تضع المصري بين الأهداف عندما أعلنت قائمة المسؤولين الذين ستتظاهر أمام منازلهم، مما يوحي ضمنيا بأن اسم الرجل الذي يعتبر السياسي الأبرز في البلاد حشر حشرا وفي اللحظات الأخيرة ولأغراض قد تبدو لها علاقة بتقصد اثارة البلبلة في السياق الاجتماعي.
العبدللات تعهد بإكمال مسلسله المثير بعنوان التشهير برموز الفساد وعرض الأمر عندما تعلق الأمر بالمصري على أساس أن الرجل ليس في دائرة الاشتباه عندما يتعلق الأمر بالفساد المالي، لكنه جزء مما سماه العبداللات بالفساد السياسي وقال: سنقف أمام منزل المصري ونطالبه بالخروج لنا ليشرح لنا أمام الإعلام والكاميرات ما يعرفه عن الفساد في الدولة والنظام.
وقفة العبداللات أمام منزل الروابدة انتهت بـ'صناعة' مشكلة داخلية جهوية بين منطقتين.
والمجازفون بالمشهد يفكرون في ما يبدو بتجاوز المحطة الجهوية لما هو أبعد، عبر إثارة اللغط بعنوان المصري الذي بدأ حياته وزيرا للخارجية ثم رئيسا للوزراء ثم لمجلس النواب وأخيرا لمجلس الأعيان، من دون أن يربط حراك الشارع بكل تلاوينه، اسمه بأي سياسة خاطئة أو فاسدة من أي نوع مع أنه رئيس الوزراء الوحيد في تاريخ الأردن الذي لم يتخذ أي قرارات مالية مهمة واستقال من تلقاء نفسه، لانه رفض عرض الملك الراحل حسين بن طلال بحل البرلمان بدلا من تقديم استقالته.
في الواقع طوال مرحلة نشوء الحراك شكل المصري محطة استقطابية للشباب الباحث عن التغيير في المحافظات، واعتبر في اجتماعات عقدت في مدن، مثل معان والطفيلة وحتى إربد، عنوانا موثوقا للتغير بالنسبة للناس وقد يكون هذا الأمر حصريا ما يثير حساسية أو غضب بعض فئات النخبة عليه.
قبل أكثر من عام تمرس الجنرال الأمني السابق محمد الرقاد بإرسال تقارير مفبركة عن المصري لمؤسسة القصر الملكي وأحاطه برقابة غير مبررة.
واليوم في ظل وجود إدارة جديدة أكثر وعيا في المؤسسة الأمنية لا يعتقد كثيرون بأن المصري من بين الأهداف الموضوعة على بوصلة مرجعية أمنية يعتد بها وأغلب التقدير أن الحملة ضده منطلقة من مستويات أقل شأنا في المؤسسة.