مستشفى البشير .. مثل خبز الشعير !

الأسبوع الماضي وفي زيارة لمستشفى البشير طالما تطلعت لها لمعرفة ما يجد على أرض الواقع في هذه المؤسسة الصحية الكبرى شهدت بأم عيني ما أسعدني فهزني من الاعماق، لا باعادتي لنشوة الماضي وذكرياتٍ وعيتها منذ إنشاء اول بناء في المستشفى قبل أكثر من نصف قرن بل بجلوسي الى نفر كريم من الاطباء القائمين عليه وتبادل الحديث معهم حول انجازاته وخدماته التي فاقت كل توقعاتي واثلجت صدري ودحضت سمعة ظالمة تشبّهه بخبز الشعير(!) وزادتني ايمانا بأن القطاع الصحي (( العام )) بخير وأنه أفضل بكثير من بعض مؤسسات القطاع الخاص التي وإن كانت تلمع على السطح إلا أن جوهر (( البشير )) يبقى في الحقيقة أشد توهجاً بعراقته وخبراته ثم بكفاءة العاملين فيه وهو يوفر الرعاية الصحية مجانا أو باجور رمزية لمئات الالوف من المواطنين (( المحتاجين )) الذين لولاه لواجهوا مصيرهم على قارعة الطريق ! إذ تذكر بعض احصاءات العام الماضي (2011) أن اكثر من 76 ألف مريض ادخلوا اليه واجريت فيه عشرون الف عملية وتمت فيه 13 ألف ولادة وراجع عياداته الخارجية اكثر من نصف مليون وقسم الاسعاف والطوارئ 400 ألف وعيادات الاسنان 33 ألفا وقد بلغ عدد أسرته 956 وفيه اكثر من ثمانين حاضنة خداج.

ليتكم كنتم معي وانا أتجول في اقسام الولادة والاطفال لتروا بأم اعينكم النظافة والعناية والتطوير والتحديث وحدب الاطباء والممرضات على عملهم ومرضاهم ولتلمسوا بأنفسكم التطبيق العملي الصادق لمبدأ التشاور المباشر بين الاطباء في امر الحالات الصعبة وهو التطبيق شبه الغائب عن مستشفيات السياحة العلاجية ولا يعرف عنه المرضى او ذووهم الا عند تسديد الفواتير !

كثيراً ما أعربت عن رأيي في الازدحام الشديد الذي يعاني منه مستشفى البشير (وباقي مستشفيات القطاع العام) وأن أهم اسبابه اثنان، الأول تدفق اعداد كبيرة من المرضى الى العيادات الخارجية (عيادات الاختصاص)! وهو ما يمكن التخفيف منه الى درجة قصوى لو تم تفعيل نظام المراكز الصحية الشاملة الذي سررت اثناء حديثي مع كبار اطباء المستشفى انهم مقتنعون به ولا يعارضونه كما كان يوحي بعض الوزراء السابقين في تبريرهم لعدم تطبيقه ! أما السبب الآخر فهو ان عدداً كبيرا من المرضى الذين يراجعون المستشفى هم من مستخدمي القطاع الخاص المشتركين في مؤسسة الضمان الاجتماعي التي مازالت تماطل في القيام بواجبها حسب قانونها بتأمينهم صحياً فيزاحمون مرضى التأمين الصحي من موظفي الدولة وعائلاتهم الذين تضطر وزارة الصحة لتحويلهم الى مستشفيات القطاع الخاص !

وبعد .. ففي مقال محدود المساحة لا يمكنني إعطاء الموضوع حقه وسأكتفي الآن بالقول بأن هذا المستشفى العريق بخدماته الواسعة رفيعة المستوى هو الرد المفحم على دعاة الخصخصه ، وهو بمبانيه الجديدة التي ستكون جاهزة خلال شهر كما افادني وزير الصحة بحماس شديد وهو يصف كيف يمكن الانتقال به الى مستوى مدينة طبية كبرى يزهو بها الوطن وتوفر على الدولة مبالغ طائلة تنفقها الآن على تسديد فواتير المستشفيات الخاصة ومستشفيات (( عامة )) أخرى تملكها الدولة نفسها لكنها تشتري منها الخدمات !.