احذروا ثورة الجياع

أطلق وزير الصناعة والتجارة تصريحا مهما حول كيفية مواجهة الأزمة، معلنا أن " الحكومة لن تكون قادرة على الاستمرار في دعم المواد الأساسية كالطحين ... في حال ارتفاع أسعارها عالميا. وأكد أن الخروج من الأزمة الاقتصادية والحالة الحرجة التي يعاني منها الاقتصاد الأردني تتطلب رفع الدعم. مؤكدا أنه ليس هناك بديل سوى رفع الأسعار، فالمواطن لا بد أن يشارك في تخفيض العجز في الموازنة لعدم وجود خيارات أخرى". وبذلك يكون الوزير اكتشف الحل الذي غاب عن أذهان خبراء الاقتصاد، ووفر حلولا مثالية وسهلة لمعالجة الازمة الاقتصادية التي تواجه البلاد، فالمواطن يستطيع أن يتحمل أعباء اضافية من وجهة نظر الوزير..!


من المعروف ان موازنة عام 2012 تضمنت مساهمة المواطنين من خلال الضرائب المباشرة وغير المباشرة بحوالي 86 % من الايرادات المحلية. وتستطيع الحكومة في موازنتها المقبلة أن ترفع هذه النسبة الى 100 % اذا شاءت، أما - قضايا الفقر والبطالة وسوء التغذية - مقدور عليها ... ومن لم يستطع التكيف ... فالضمان الاجتماعي يتكفل بنفقات الجنازة...


والغريب أن الوزير في اليوم الثاني أطلق تصريحات متناقضة معلنا أن جميع المؤشرات الاقتصادية تشير الى بدء تعافي الاقتصاد الأردني، وانتقاله الى المسار الصحيح، لكن لم يعلن الوزير انه تخلى عن نيته رفع الاسعار أم لا، ونتمنى أن يعلمنا عن "الخلطة السرية" او الخطة السحرية التي حققت هذا النجاح الباهر..!


قبل أن تفكر الحكومة برفع الأسعار، حبذا لو تفكر بوقف هدر المال العام وضبط النفقات الحكومية التي اعترفت أنها تقدر بحوالي 15 % من موازنتها، أي حوالي مليار دينار، حبذا لو فكرت بدمج المؤسسات الحكومية الخاصة التي تكاثرت في الاعوام الاخيرة كالفطر وتنفق حوالي 2 مليار دينار سنويا، وقد انشأتها حكومات البزنس التي جمعت بين "التجارة والامارة" وتربعت على السلطة ونهبت خيراتها طوال العقدين الاخيرين، واحدثت تغييرا بنيويا في المجتمع والدولة، باصدارها حزمة من القوانين الجديدة التي اطلقت يد التجارمن دون مراقبة، وانهت مهمة وزارة التموين التي كانت تشكل نوعا من الضبط على الاسعار، باسم تحرير التجارة..!


أطلقت حكومات البزنس العنان للمصارف لفرض فائدة مرتفعة على المستفيدين من قروض الاسكان وغيرها ،اضافة الى المستثمرين، من دون اي ضوابط الى ان اصبح هامش الفائدة بين المدينة والدائنة تقدر بحوالي 7 % وحققت هذه القطاعات ارباحا طائلة وغير مشروعة على حساب المقترضين، بعد ان تنازل البنك المركزي عن حقه في التدخل وتحديد سقف الفائدة المدينة، باسم تحريراسواق المال وتم مكافأتها بتخفيض الضرائب ..!


والاهم من كل ذلك ارتكاب جريمة اقتصادية قصمت ظهر الاقتصاد الوطني باسم التخاصية، تحت ذريعة اعادة هيكلة المؤسسات المتعثرة وادخال الشريك الاستراتيجي، وجرى تقويم اسعار اسهم هذه المؤسسات باقل من قيمتها الفعلية، وتبين ان هناك شبهات فساد وراء العديد من هذه الصفقات، ولغاية الان لم نشاهد واحد منهم امام المحاكم. والمثير للدهشة ان اموال التخاصية التي بلغت حوالي 1700 مليون دينار اضافة الى قيمة ارض ميناء العقبة والبالغ قيمتها 355 مليون دينار، انفقت من دون الاستفادة منها بأي مشروع اقتصادي تنموي يسهم بزيادة الدخل القومي ومعالجة قضايا الفقر والبطالة. أصدر رجال البزنس قوانين ضريبية خدمة لمصالحهم، فقد خفضوا ضريبة الدخل عن القطاع المصرفي من 50 % الى 30 % ، كما خفضوا الضريبة على كبار التجار من 25 % الى 14 %، وفرضوا ضريبة مبيعات 16 % على مختلف السلع وعرضوا غالبية العاملين بأجر الى حد الفقر.


وبالمناسبة تزامنت تصريحات الوزير مع فض الدورة الاستثنائية لمجلس النواب، والتي كان من أهم انجازاتها اقرار قانون المطبوعات سيئ الذكر، الذي من شأنه أن يكمم الافواه ويحرم المواطنين من التعبير عن ارائهم، ويعيدنا الى العصور الغابرة، والذي احدث وما زال ردود افعال واسعة في المجتمع الاردني، ومن ابرز القضايا التي لم تبحث في الدورة الاستثنائية - قانون ضريبة الدخل - ومن غير المتوقع أن يعود المجلس الحالي للانعقاد، وبذلك اورجأ هذا القانون الى اشعار اخر. كان على الحكومة ومجلسها النيابي اجراء تعديلات جوهرية على قانون ضريبة الدخل والالتزام بالنص الدستوري بفرض ضريبة تصاعدية، بزيادة مساهمة الاثرياء والقطاعات المالية والمصرفية والاتصالات في ايرادات الخزينة، بدلا من رفع الاسعار على الفقراء .