كتب دوف فايسغلاس، مدير مكتب شارون سابقا، في صحيفة معاريف، قائلا: قال لي ذات مرة فلسطيني ان «أوسلو» هو «ترتيب إسرائيلي عبقري». في ماذا؟ سألت. «هذا هو السجن الوحيد في العالم الذي يكون فيه السجناء فقط هم المسؤولون عن إعالة أنفسهم، دون أي مشاركة من الادارة. تتمتع إسرائيل بصلاحيات صاحب السيادة في مناطق الفلسطينيين، ولكنها غير ملزمة بواجبات صاحب السيادة؛ هذه هي خلاصة «اوسلو» اليوم!.
وبالأمس، أطل علينا نائب وزير الخارجية الاسرائيلي السابق يوسي بيلين والاب الروحي لاتفاق اوسلو ليوجه نداء حارا لمحمود عباس عبر القناة الاسرائيلية العاشرة طالبه فيه بالغاء اتفاقية اوسلو حفاظا على مصالح شعبه يقصد شعب عباس الفلسطيني طبعا(!) بيلين وهو أحد قيادات الجيل الثاني في إسرائيل، قال أن اوسلو عفـّى عليها الزمن ويجب على الرئيس عباس اليوم قبل الغد الغاؤها لانها اصبحت تشكل تدميرا وضياعا لقضية شعبه ويجب عليه ايضا تفكيك السلطة وتحميل اسرائيل مسؤولية كاملة. وتابع «المجتمع الدولي عمليا بمساعداته للسلطة يمول الاحتلال وعلى السلطة ان تحمل اسرائيل مسؤولية ذلك عبر تفكيكها فيما تتكفل اسرائيل بدفع رواتب المدرسين والاطباء والشرطة. ويختم نصيحته التي تأتي في سياق نقده للسياسة الإسرائيلية الحالية، ان استمرار الاوضاع الحالية يعني مشاركة نتنياهو في سياساته حيث يعمل جاهدا على المحافظة على اوسلو وتفريغها من مضمونها!.
نتنياهو ليس وحيدا في حرصه على أوسلو، ومخرجاته المدمرة، بل ثمة طبقة سياسية عريضة من المنتفعين، الذين سينضمون إلى جيش العاطلين عن العمل في الضفة الغربية المحتلة، ويفقدون امتيازاتهم الشخصية، ولهذا يتمسكون بهذا الهيكل المتهتك، المسمى سلطة فلسطينية، وهو في حقيقته لا سلطة ولا فلسطينية، فالسلطة تعني السيادة، ولا سيادة تحت الاحتلال، أما أنها فلسطينية فتلك صفة لا تنطبق على بشر يعتقلون أسرى محررين من سجون العدو ليزجوهم في غياهب سجون السلطة، وكل ذنبهم أنهم يحملون أوسمة شعبية، بسبب مقاومتهم للاحتلال، أو أنهم محسوبون على حركة حماس، إما بسبب لحاهم، أو حرصهم على صلاة الجماعة في المسجد!!.
أوسلو جثة ميتة، زكمت رائحتها العفنة الأنوف، وقد حان وقت دفنها، سواء بأيدي السلطة أو بأيدي أبناء الأرض المقدسة، الذين تقول مخابرات العدو أنهم يتململون لإشعال الانتفاضة الثالثة، ليس بسبب الأسعار وغلائها، ولا عسف السلطة وتنفيذها لسياسات الاحتلال، ولا لحاقا بالربيع العربي، فقط، بل لكل هذه الأسباب مجتمعة، ولربما -ويا لسخرية القدر- استماعا لنصيحة أحد أشد اعدائهم صهيونية، الذي ثبت أنه يحمل مشاعر وطنية فلسطينية أكثر ممن يتصدون لقيادتهم، بل يشعر أكثر من هؤلاء بما يفيدهم!.