دولتنا وإسلاميونا

دولتنا وإسلاميونا
راتب عبابنة
نسمع ونشاهد بشكل شبه يومي تهديدا ووعيدا وملامح استراتيجية إخوانية جديدة قادمة "بشائرها" تتمثل برفع سقف حدة التصريحات بعدما اختار واضعوها البقاء خارج المشاركة مكتفين بالنهج القائم على المناكفة ومتمسكين بقول "خالف تعرف". والتصريحات الأخيرة الصادرة عن رجالات الصف الأول من جماعة الأخوان بلغت من الحدة وتجاوز حدود اللياقة في الخطاب الموجه للمقام السامي, مما يستدعي منا جميعا دولة وأفرادا الإستعداد والتجهبز لمرحلة طالما نبهنا لها وحذرنا من الحلم المبالغ به.
التلويح باستخدام القوة "لحماية الوطن" المقصود منها الإستفزاز والإثارة وخلط الأوراق في الأيام القادمة والتي تقود إلى تعثير سير ما نحن مقبلون عليه لوضع أساس ينظم الحياة السياسية بالخروج بمجلس نواب نأمل أن يكون من إنتاج الشعب. كنا نتوقع من الإخوان أن لا يغلِّبوا السياسة المصلحية على الدين وهم رجال دين معاييرهم وموازينهم تلزمهم أن ينطلقوا من الدين وليس من رغبتهم بتولي زمام الأمور ومن الدنيا.
ما نلاحظه من مؤشرات النهج الإستراتيجي الجديد والتوجه التصعيدي المستفز والذي يأتي ضمن استراتيجية أخرجوها للعلن, هو العزم على عرقلة المسيرة الوطنية التي هي أحوج ما تكون للدفع للأمام لنخرج سالمين. المطالبة "بتغيير بنية النظام" كما ورد على لسان أحد الإخوانيين ــ ولا أشك بأن كلمة "بُنْية" قد حشرت وجلا لأغراض ما يستوجبه المقام ــ هي انقلاب على أولى ثوابتنا وتوافق الأردنيين على العقد المبرم بينهم وبين قيادتهم. نتفق معكم على إزالة الشوائب التي تعيق النظام من أن يعمل إصلاحا ملحوظا ومتواصلا لكن لا نتفق مع طرحكم الإنقلابي وتنكركم لمن رعاكم.
ظاهريا استراتيجيتهم تنادي بمشاركة كافة أطياف وشرائح المجتمع الأردني بالتصويت ولكن بالطريقة التي يختاروها ومن ثم يفرضوها على الأردنيين الغيارى على وطنهم على مبدأ إما أنا او الطوفان من بعدي. وحتى لا يصفنا أحدهم بما لا نرغب, نذكِّر بتحفظ الكثيرين على قانون الإنتخاب وأنا أحدهم لكن لنعي أن للضرورة أحكام والضرورة التي نؤمن بها هي الأردن الوطن والحفاظ على هويته وهوية القائمين على إدارته. والقانون لم يستثني شريحة من حق الإنتخاب.
أما إذا كانت النوايا الخفية والمبيتة خلف الإستراتيجية الجديدة تقود لتغليب مكون "أردني" على الآخر يقف خلفه الإخوان أو أمامه معولين عليه فهذا ضرب من الخيال وهراء نرفضه ونحاربه بكل ما أوتينا من قوة وبمنتهى الشراسة. سيحاربكم الغيارى إن كان استمراؤكم لهذا النهج سيؤدي للإضرار باستقرارنا وخدش هويتنا. إن دافعنا نحن الغيارى عزمنا على وأد الفوضى واللبننة التي مزقت لبنان لكانتونات وخلقت العديد من الزعامات التي الدينية والسياسية التي ترى كل منها أنها تمتلك الحقيقة وبالتالي هي الأوْلى بالحكم. كما يدفعنا انتماءنا الذي لا تزعزعه لا الجماعة ولا السلفيون والتحريريون ولا التقدميون والقوميون.
حزبكم أكثر الأحزاب تنظيما وأكثرها ثراءا وأكثرها عددا واستثمارا تأسستم وكبرتم وتوسعتم وتمددتم بمباركة النظام وبإرادته وتم احتضانكم دون باقي الأحزاب مقابل التعاون معه في ظل موجات المد الشيوعي وهيجان القوميين ونمو البعثيين. وكنتم تحققون التوازن لحد ما. والآن أصبحت هذه الموجات ورموزها ودساتيرها من الماضي ومنها الذي انحلّ أو حُلّ أو ضَعُفَ ومنها من لم يقدر على الصمود.
كانت هذه الموجات بمثابة مصائب قوم عند قوم فوائد أي مصائب للأنظمة وفوائد للإخوان إذ سمح لهم بالتشكل والنمو والترعرع حتى تصوروا أنهم أصحاب حق مكتسب بالحكم. وقد بدأوا يعتبرون الحكم حقا مكتسبا بالتقادم متناسين أن أسباب الحاجة لهم لم تعد قائمة. إرحموا أنفسكم واعرفوا قدركم وقفوا عنده ولا يغرنكم اعتلاءكم في مصر وتونس لأن الأردن قام على التوافقية بين أهله ونظام حكمه الذي لا يفرطون به.
لا شك أنكم انفردتم بالساحة بسبب غياب الأحزاب العربية التي كان وجودها سبب وجودكم ودعمكم ورعايتكم أملا بأن تكونوا عونا للوطن لا عبئا عليه. من استحقاقات المرحلة عليكم أن تكونوا أكثر واقعية وحكمة وأكثر تفهما واستيعابا للظروف الإقليمبة والدولية والمناخ السياسي وتطورات الربيع العربي. وإن راهنتم على أنصاركم فكلنا الأردن وكلنا عبدالله وكلنا الدولة وكلنا سيوف ضاربة للتلاعب بهيبة الأردن.
لذا من العقل والتعقل أن تلعبوا دور المساعد المخلص على البناء بتعاونكم مع الدولة وليس الإستقواء عليها. كما نأمل منكم الدفع نحو الإستقرار وليس التهييج والتهدئة وليس الإستفزاز والإحترام وليس التقريع والتعرية. وليكن هدفكم رفعة الأردن وتقدمه وليس رفعة وتقدم من تراهنون عليهم.
نحن ابناء الأردن جربنا مرارة التغول والإستقواء واكتوينا بناره واختبرنا "أبطاله" ومن قاموا به وهم كانوا يحققون ما ترغب به إسرائيل وتخطط له لتحقيق خرافة ما يسمى الوطن البديل. وبناءا عليه لن نسمح بلدغنا مرة أخرى من نفس الجحر. وقد تم استغفالهم وظنوا أنهم ماضون بطريق التحرير ولكنهم حفروا قبورهم بأيديهم. وقد غيبت أيادي الغدر والتآمر حينها إبنا بارا قلما يرزق الأردن بأمثاله. فقد خسرنا المرحوم وصفي التل الشخصية الوطنية والكثير من أبناء الوطن الذين وقفوا ضمن من وقفوا للذود عن الأردن الذي كان يُخَطَّط لإبداله, فلا تطلبوا المستحيل حتى لا تُصدوا وتُحبطوا بل اطلبوا المستطاع هتى تطاعوا وتسعدوا.
ما سبق ليس اجترارا للتاريخ ولا إذكاءا لنار فتنة دفنت بلا رجعة إنشاء الله كما يمكن أن يحلو لبعضهم التوسع بالتفسير. ما نرمي إليه هو التذكير بمدى خطورة وتبعات ما جرى ولنعتبر من أحداث الماضي ما دمنا كلنا مجتمعين نحرص على الأردن من أن تنفلت الأمور لا قدر الله. وما دمنا ننادي بالحفاظ على الأردن الوطن فلا نطلق العنان للساعين بالتفريط به.
لقد حذرنا مع الغيارى كثيرا وفي مقالات سابقة من هذا التمدد الخطير والإنتفاخ المريب الذي لا يبدو له نهاية. كما ونبهنا من مؤشرات تفوح منها أسباب صداع قادم ومناكفة متصاعد دخانها. وناشدنا وطالبنا جلالة الملك والأجهزة الأمنية ليدقوا الحديد وهو ساخن ولا يتركوا نعمة الإستقرار تنقلب لنقمة الفوضى.
ما وراء تذكيرنا هذا هو تعزيز أهمية معالجة المشاكل والقضايا التي تمس الوطن عند حدوثها وبالسرعة الممكنة أو العمل على منع حدوثها وليست دعوة أو ترحيب بالقمع والقسوة. ولكن أقولها بمنتهى المرارة أن الأذان قد صُمّت والأبواب قد أغلقت أمام الأصوات الوطنية التي كانت تنادي بالتحوط والحكمة واستباق ما يخطط له الذين كرسوا جهودهم وترعرعوا على العمل بنية دفع الأردن إلى الوراء.
لقد كتبت الكثير مما يصب في نقد النظام والدولة في سياق التحذير والتنبيه مما يمكن حدوثه في حال الترهل السياسي والبطئ في الإصلاح والتغاضي عن البرامكة والفاسدين ومن يمكن تسميتهم بالمحافظين من البطانة والمقربين أو أصحاب الشد باتجاه البقاء على رموز الفساد.
التصريحات النارية والمواقف المتشنجة تتجه نحو الإستقواء والإستفزاز وخلق جو من الفوضى يعم الوطن. ومن المفارقات الغريبة, وما يضعهم أمام استحقاق الإجابة وإعطاء تفسير لكيفية استقامة طرحهم الظاهر بالحفاظ على الوطن الأردني مع تصعيدهم الخارج عن اللياقة والمؤدي لذبح الوطن وأهله.
وهناك السلفيون الذين تنفسوا الصعداء باستنشاقهم نسائم الربيع العربي, الربيع الذي للأسف تأخرت دولتنا وتباطأت بالتعاطي معه ربما لكثرة الشادين عكسيا مما دفع بالنسائم الربيعية لتنقلب لريح عاتية بغياب وجود مصدات تمنع أو تقلل من تأثيرات الريح. وكلنا شاهدنا تطاول السلفيين على رجال الدرك الأبطال ورجال الأمن الأشاوس باستفزازهم والتحرش بهم والإعتداء عليهم لإيصال رسالة "نحن هنا وحان دورنا لأخذ مكاننا".
كما لا ننسى حزب التحرير الذي وصلته بالتأكيد نفس النسائم التي وصلت السلفيين والإخوان من قبلهم. قبل أيام ليست بقليلة وقع بيدي منشور بعنوان "مشكلة الأردن هي النظام القائم" ومذيل باسم (حزب التحرير ولاية الأردن) ومؤرخ بـ9/9/2012. والمنشور عبارة عن ورقة ليس بها دليل قطعي بصدورها عن الحزب لكنها تحمل أفكارهم. ومن السهل لأي مغرض أن يكتبها ويوزعها. لكن من مأمنه يؤتى الحذر خصوصا بمثل هذه الظروف الدقيقة والقابلة للقفز التي يمر بها الأردن والتي يمكن أن تستمر على المدى المنظور وغير المنظور.
المنشور تفوح منه رائحة التشدد والحقد والفهم الخاطئ وتزوير الحقائق والإفتراءات التي تصب جام غضبها على قيادتنا والمطالبة بتغييرها من جذورها واستعادة نظام الخلافة الإسلامية محملة رأس النظام كل ما جرى ويجري حسب زعمهم. وأمتنع عن الإقتباس مما جاء بالمنشور حتى لا نعطيهم أهمية لا يستحقوها .
ما نود التوصل إليه التذكير لعل هناك من يسمع النصيحة ويقرأ ويتعظ ويحذر ويبادر ويحتاط. وأجزم أن أجهزتنا الأمنية ليست غافلة وهي المشهود لها بالمهنية والإحترافية والمهارة والسرعة بالكشف عما يحيكه الحائكون. وما يعزز القول بصدور المنشور عن المنسوب إليهم عدم صدور نفي من طرفهم رغم تضمنه فكرهم ولكن لنفض الغبار عن الحقيقة. وعدم النفي يلزمهم بما نسب إليهم مع تفهمنا لكونهم حزبا محظورا ولا يمكنهم المجاهرة العلنية بما لديهم. نخلص لنتيجة مفادها أن براءتهم من المنشور كان يمكن ترجمتها وبسرعة من قبلهم بإيجاد الوسيلة لتوصيل النفي.
الحركات الثلاثة إن جازت التسمية, الإخوانية والسلفية والتحريرية انطلقت من مفاهيم "دينية" تختلف بالمفردات والأدوات ولكنها بالنهاية تتماثل بالنتيجة والهدف أي إقامة دولة إسلامية قوامها التشدد والتزمت والتخشب القابل للكسر والتكفير لمن خالفهم وإقامة الحد على من خالف نهجهم وفكرهم.
لكل أن يعتقد ما يقتنع به والدستور كفل لنا حرية التدين لكنه لم يكفل لنا التغول وإلغاء الآخر وإقصاءه إن خالفنا بالمعتقد أو المذهب. سقف المطالب بلغ حدا يجعل غالبية المجتمع الأردني في خندق مضاد لكم لإعلانكم الحرب على ثوابتنا وركائزنا التي تمثل هوية الوطن. والهوية الأردنية هي ما يوحدنا لإيماننا بأنها خاصتنا وعليه لا مكان بيننا لمن يتخذها شعارا للمزايدة وأداة قتل وفوضى وتمزيق للوطن تجعله قابلا للنهش والخطف.
كلنا موحدون ومجتمعون على وحدانية الله حتى لو اختلفت أدياننا ونبحث عن المشتركات ونتجاوز المفرقات ونركز على نقاط الإلتقاء ونقفز عن نقاط الخلاف. كما نبحث عن التبسيط ولا نتفق على التعقيد. ديننا وسطي معتدل وليس متشدد متطرف. لكنكم شططتم بمطالبكم وتطالبون الناس بالحذو حذوكم وهم يرونكم لا تمارسون كل ما تنادون به من شعارات وممفاهيم ومثل في الكثير من الأحيان.
عندكم حركة طالبان الأفغانية التي اتخذت من التطرف والتشدد عنوانا كان سبب هلاكها مع تحفظنا الشديد على النهج الأمريكي بهذا الخصوص. لم تعمر الحركة طويلا واستعدت العالم واستعدت شعبها وتعاملت مع المرأة وكأنها وسيلة للمتعة ولا تختلف عن باقي مخلوقات الله إلا بالنطق. فبطالبان عبرة لكم سلفيون وتحريريون وكذلك إخوانيون ولو أن الأخيرون أقل حدة.
ما تقدم يقودنا لاستشعار هبوب رياح مرحلة تتوزع خلالها الإهتمامات بين استراتيجية تصعيدية من قبل الحركات الدينية وخصوصا المتشددة منها وبين التحفظ على قانون المطبوعات والنشر. كما أن الظروف الإقتصادية والسياسية غير المريحة وما يحيط بنا من غليان وانعكاساته علينا يزيد من ثقل المسئولية الذي بدوره يستدعي المزيد من الحكمة والحزم بإدارة عناصر التفاعل المجتمعي ووضع الأردن الوطن والمستهدف بهويته وقيادته نصب العين والعمل بجدية مقنعة على استقراره الذي يعني بقاءه.
وحمى الله الأردن والغيارى على الأردن. والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com