لم تكن صورة عون الخصاونة ، الذي رافق فيها جلالة الملك المرحوم على مر سنين وسنين ، وفي مرحلة خطرة من تاريخ الوطن ، إلاّ الرجل الأمين المؤتمن وبعناوين جسّدت روح الانفتاح المطلق ، والثقة الراسخة التي يحتاجها الملك وكل ملك ، وتمثل البطانة القريبة التي ليس لها إلاّ أن تَصَدقه ، تفكر فيما يفكر، وتحس بالناس من حوله ، فتنبض قلوبها بنبض قلوبهم ، كونها منهم ، وتَصْدُقَ الملك فيما هو واقعهم والحل الناجع لهمومهم ، فتكون له عونا يطل من خلالها على من حوله فيرى واقعهم بكل تفاصيله وابجدياته ، بشفافية ووضوح من دون مبالغة او تقتير .
ولا تخونني ذاكرتي في ما خاطب الملك الراحل فيه رئيس الديوان الملكي عون الخصاونة عام 1996 عندما افتتح الخط الناقل للمياه بين طبريا وقناة الملك عبدالله إذ سمعت جلالته يقول للخصاونة "الحمد لله يا عون أنني وجدت رجالا يحققون معي إنجازا يهم الناس . وإن شاء الله سنستمر" .
كلام الملك الذي دوّى في أذنيّ عكس مدى السعادة التي تملكته وهو يحقق أمرا كان مقضيا ، تمثل بشربة الماء التي هي عماد حياة الناس في عمان ، ومَن حولها . لقد قضى العديد من الشرفاء الذين أدوا الواجب الوطني وحملوا حق الاردن وأثبتوه وحصلوا على ما مكنتهم الظروف والايمان بالوطن وقيادته من تحقيقه رغم الصعاب والمستجدات الاقليمية والدولية التي فرضت على الاردن السير في هذا الطريق . ولا اريد ان اذكر ما قاله الملك للنواب والاعيان والحكومة عام 1994 عندما عرض عليهم مسألة السلام مع اسرائيل ، من ان قرارا يجب اتخاذه وقوله بمدة لا تزيد على نصف دقيقة، اي(نعم او لا).الكثير من الشرفاء وقفوا إلى جانب الاردن والملك وصنعوا موقفا وطنيا شامخا بغض النظر عن قبولهم او رفضهم لواقع اتفاقية السلام او ما امكنهم تحقيقه ، الا انهم مارسوا مسؤولياتهم بكل شرف كما الحال مع عون الخصاونة في الوقت الذي اختبأ فيه العديد من اصحاب الابواق والتنظير ، ينتظرون الهفوات او الفرص للتنكيل والتنديد والصراخ .
تجربة اسرائيل مع الاردنيين لا تخلو من التنديد الدائم ، كون الجهد والمواقف الاردنية شوكة مؤلمة في حلق المخطط الاسرائيلي . اسرائيل لم ولن تنسى موقف الاردن في استصدار قرار ضد الجدار العازل وبجَهد من مندوبنا في الامم المتحدة وقاضينا عون الخصاونة، فهي تنظر اليوم بعين الحذر والرقابة الشديدة للمتغيرات التي تُجرى على الساحة الاردنية لانها تعرف تماما ان الادارة السياسية والشعبية في الاردن واعية ، فلطالما احرجت الادارة الاسرائيلية على المستويين المحلي والدولي منذ عهد رابين مرورا بشمعون بيرس ، إلى ليفني الى باراك الى نتنياهو المتشدد.
الاجهزة الاسرائيلية التي وجدت من زيارة مشعل لعمان وتكرارها وشيوع اجواء الترحيب به وبأعضاء قيادته وأهله مخرزا مؤلما ينخر خاصرتها خاصة بعد تصريح الرئيس الخصاونة الذي اعتبر خروج حماس خطأ استراتيجيا ما شكل عند الاسرائيليين بعدا خطيرا وصل حد تحذيرهم من السياسة الاردنية المقبلة.
داني روبنشتاين في جروسالم بوست يتهم الرئيس الخصاونة انه وراء ذلك ، او لنقل هو الذي مهّد لذلك عند الملك اولا وهذا يعني تحذيرا للاسرائيليين وتهديدا لهم، وهو يشير بكل وضوح إلى ان الخصاونة في الاساس معارض شديد لاتفاقية السلام 1994 . والحديث لروبنشتاين الذي اضاف انه التقى اردنيين واسرائيليين إبان التوقيع ، وقد تحدثوا جميعا عن الجهود التي بذلها الخصاونة لمنع توقيع الاتفاقية رغم انه مستشار الملك وأفتى في الكثير من الاتفاقيات قبل توقيعها . ان هذا الهجوم عليه يجسد الكُره الاسرائيلي لشخصية وطنية صدق في مسؤوليته ونأى بنفسه عندما ترأس الحكومة عن الشبهات واتخذ موقفا صعبا ، إذ آثر التنحي بشرف وكبرياء يعرفه العارفون ببواطن الامور.
ان عرقلة مصلحة الوطن ومسيرة الاصلاح اللتين تشكلان صوابية العمل الوطني قادتاه راضيا صامتا نائيا عن كل الاتهامات الباطلة والاسافين البخس والتأويلات التي لا يتقنها إلا الجالسون على الطرقات ينكشون في كل شاردة وواردة. الاجواء الجديدة التي شعر بها الاسرائيليون حول مثلث العلاقة الاردنية الاسرائيلية الفسطينية بدأت تشهد موجة جديدة مؤاتية لحماس تعتقد اسرائيل انها بالاساس ضدها. فزيارة مشعل للاردن زيارة استراتيجية خاصة وانها في مقدمات مهمة الملك الدائمة في تحريك عملية السلام وابقائها حية ،حيث سبقت لقاء صائب عريقات والممثل الاسرائيلي يتسحاق ملخو . فحماس اصبحت من الصعب على كل سياسي تجاهل دورها في حل القضية الفلسطينية الى جانب ان الاردن معني قبل غيره في تجميع كل عوامل تفعيل عملية السلام وتحريكها من العاصمة عمان .
وهذا يعني ان نظرة عون الخصاونة في استراتيجية التعامل مع حماس استراتيجية مهمة جدا ، وبعيدة النظر خاصة ان اهل حماس يعرفون تماما كم هي المواقف الاردنية ومن لدن الاسرة الهاشمية التي جسّدت الدعم والاحتضان والوقوف الصلب خاصة عند المحكات الجسام . الخصاونة لا يحتاج لدفاع احد فهو القاضي الذي يعرف كيف يستخلص الحقيقة ، ولكن احببت ان اعلّق على مقالات اتهامية لا تصلح للنقاش اصلا كونها عكست الحقيقة وتلاعبت بافكار الناس وهذا ليس من خصائص الاعلام الحر خاصة في حق رجل ليس له عندنا كأردنيين الا كل الاحترام . فإما نقول الحق وإما نصمت.