المحامي محمد الصبيحي يكتب:إضرابات لاعلاقة لها بالانتماء ولا بعلم الوطن

تبدأ القصة على النحو التالي :
محكمة بداية عمان قررت يوم الخميس الماضي الافراج بكفالة قيمتها عشرة الاف دينار عن الموقوف ( ف . ع ) , تدافع ذوو الموقوف لعمل الكفالة المطلوبة أمام كاتب العدل في المحكمة , وكان لابد من كفيل يحمل ( سند تسجيل عقار ) وأن يكون سند التسجيل صادرا في نفس اليوم أو اليوم الذي سبقه .
وفي سباق مع عقارب الساعة لاستخراج سند تسجيل عقاري للكفيل رفض موظفو دائرة الاراضي أستخراج السند لأنهم مضربون عن العمل !! وجدهم الكفيل يشربون الشاي والقهوة ويدخنون وقد أجابه أحدهم بكل عجرفة ( نحن مضربون ما في معاملات ) , ورغم كل الرجاء والوساطات وأن الامر يتعلق بحرية مواطن موقوف منذ شهرين وأن أطفاله بانتظاره , لم تلن القلوب المتحجرة التي تفكر بمصلحتها فقط !! وهكذا بقي السجين في السجن أياما أضافية وما زال !! لا كاتب العدل يقبل سند تسجيل بتاريخ سابق لأن هذه (تعليمات وزير العدل ) ولا موظف الأراضي رق قلبه !! وهذه الحالة تكررت أمام ناظري لثلاثة موقوفين في محكمة بادية عمان وحدها يوم الخميس الماضي .
هكذا أذن خرقت جميع الاطراف ( موظفو الاراضي وكاتب العدل ) ميثاق حقوق الانسان والدستور الاردني وقانون العقوبات وقرار المحكمة , ويتم حرمان مواطن من نسائم الحرية من أجل ماذا ؟؟ من أجل المصلحة الشخصية لمجموعة موظفين وجدوها فرصة سانحة للأضرار بالوطن !!
ويتباهى بعض هؤلاء المضربين بأن أضرابهم عطل على الخزينة ( كذا مليون ) وأن الاضرار تتفاقم على مالية الدولة ما لم تلب الحكومة مطالبهم , في محاولة بائسة للتذكير بالخسائر الوطنية والاستقواء على الدولة والقانون .
ولو راجعت هؤلاء فسيشبعونك حديثا عن الانتماء للوطن والولاء للملك والعرش , والسؤال الذي يحضرني : كيف يمكن أن يلتقي الانتماء للوطن مع مخالفة القانون ؟؟ القانون الذي لا يجيز للموظف العام تعطيل المرافق العامة للدولة , ولا يجيز له أن يجلس أياما متوقفا عن العمل ثم يأخذ عنها أجرا في نهاية الشهر ؟؟ من يجيب على السؤال ؟؟ .
نعذر موظفي الاراضي لو أنهم توقفوا ساعتين كل يوم عن العمل ونقف معهم لو أنهم خرجوا الى اعتصام أمام رئاسة الوزراء في الساعة الاخيرة من الدوام أو بعده , ونرفع صوتنا مع أصواتهم لأننا نعرف أن الموظف العام مظلوم وفقير مهما كان راتبه قليلا أو مرتفعا !! أما تعطيل عمل الدائرة والتسبب ببقاء عشرات الموقوفين في السجون , وتفويت ملايين الدنانير على الخزينة فانها جريمة , نعم جريمة بكل المقاييس , ولو أن ذوي كل موقوف رفعوا دعوى عطل وضرر على موظف دائرة الاراضي الذي رفض أصدار سند تسجيل لكفيل لكانت التعويضات بمبالغ لايحتمل أي موظف منهم مجرد سماع قيمتها .
هل سترضخ وزارة المالية للأبتزاز الاداري ؟؟ ربما نعم وربما لا ؟؟ الامر يتعلق بارادة وشخصية الرجال في موقع القرار , وفي حال الرضوخ فان بوابة الاضرابات في الجهاز الاداري للدولة ستفتح على مصراعيها .
اضراب من نوع أخر كان يوم الاحد حين أغلق سائقو سيارات النقل العمومي على خط جسر الملك حسين الشارع أمام المدخل الجانبي لمجلس الامة بسياراتهم التي رفعوا عليها الاعلام الاردنية فأحدثوا أزمة مرور كبرى وعطلوا الوصول الى قصر العدل !!
نعم رفعوا الاعلام الاردنية وبعضهم وضع صورة الملك على زجاج سيارته ,
و ضباط شرطة يحاولون التفاهم معهم ولا أدري لماذا وما هي النتيجة , ولكني قلت لشرطي سير لو جئتم بالونشات وبدأتم رفع السيارات المتوقفة من وسط الشارع الى ساحة الحجز في الترخيص لفروا جميعا خلال خمس دقائق !! بصراحة تعامل الامن العام مع هكذا حالة عصيان ناعم !! بل بارد جدا كماء زلال في ساعة قيظ . وهو ما يشجع كثيرين على التجربة الممتعة .