في تحدي الإصلاح ما هو أهم من «الأخوان »

قد يبدو حزب جبهة العمل الإسلامي وجماعة الأخوان المسلمين ظاهريا التنظيم السياسي الأكثر أهمية في الأردن، وبالتالي يشكل "العقدة” الرئيسية أو المفتاح المباشر لحل أزمة الإصلاح السياسي من خلال الوصول إلى معادلة سياسية تسمح لهم بالمشاركة في العملية الانتخابية والحصول على جزء من غنيمة السلطة السياسية في المرحلة القادمة.

بغياب مشاركة الأخوان في الانتخابات الماضية وعدم وجود استطلاعات رأي يعتد بها حول شعبية الجماعة، من السهل إصدار الأحكام والتوقعات المتناقضة حول أهمية وحجم الجماعة. في الوقت الذي يتصرف فيه الأخوان وكأنهم الجهة الأكثر شعبية في البلاد مستندين إلى إرث من الحراك الجماهيري القديم والشعور العام بالتعاطف مع التيارات الإسلامية المتدينة، تجهد الدولة في إظهار الأخوان بأنهم تنظيم يبالغ في حجمه ويهدف إلى السيطرة على صناعة القرار في البلاد ويرفض كافة الدعوات الرسمية للحوار والتوافق حول مسيرة الإصلاح.

الحقيقة هي دائما في مكان ما بين النقيضين. الأخوان المسلمون يطمحون فعلا للعب دور رئيسي في الحياة السياسية وهذا حقهم، ولكنهم لسبب ما يحجمون عن خوض الانتخابات والدخول في توافق وطني إلا ضمن شروط مسبقة منها قانون انتخاب نسبي يتماشى مع مصالحهم ولكنه بالضرورة قد لا يبدو مناسبا للمجتمع بشكل عام. وفي الجهة الأخرى هنالك جهات أخرى في الدولة تعتقد أن الاخوان المسلمين هم عقدة الإصلاح وفي حال تم تسجيل عدد كاف من الناخبين لإجراء انتخابات نيابية فإن الأخوان سيعانون العزلة ويصبحون بعيدين عن الساحة السياسية.

لكن الواقع أكثر تعقيدا لأن الأخوان المسلمين ليسوا إلا العنصر الأسهل في عقد الصفقات معه، من بين كافة العناصر المجتمعية التي تنشط في الحراك السياسي الآن. بوسع الدولة أن تجتذب الأخوان إلى طاولة توافق في حال عرضت نسبة عالية من "حقوق” المشاركة السياسية وبالتالي إعطاء زخم أكبر للانتخابات، ولكن المشكلة والعقدة الحقيقية هي مع العدد المتزايد من الشبان والمواطنين الغاضبين في المحافظات المختلفة وفي الشارع.

الحراك الشعبي غير المنظم لا يسعى إلى منصب ولا صفقات سياسية، وخطابه الذي تتجاوز فيه السقوف ما اعتدنا عليه سابقا يركز على قضيتين مهمتين لا أعتقد أن هنالك ثالثا لهما. القضية الأولى هي محاكمة الفاسدين وفي هذا السياق يجد الحراك بأنه لم تكن هنالك جدية في محاسبة والتحقيق مع عدد كبير من المتهمين بالفساد. ومع أن أحدا لا يرضى الاستهداف غير المستند إلى أدلة لشخصيات بعينها فإن التبرئة الصارخة بدون تحقيق أو الاستهانة بمطالب المحتجين تقدم رسالة سلبية مفادها أن الفاسدين يحظون بحماية تشريعية وسياسية بينما يتم اعتقال الناشطين. القضية الثانية هي التنمية المحلية وسوء توزيع مكتسبات النمو الاقتصادي وتراجع الخدمات العامة وتهميش غالبية الأطراف لصالح جهات ومواقع مهيمنة سواء في العاصمة أو في بؤر الثراء والنفوذ في المحافظات. بدون إعادة ترتيب لأولويات التنمية المحلية وتغيير جذري في سياسات توزيع مكتسبات النمو وإشعار أهل المحافظات بجدية التعامل مع مطالبهم التنموية وإظهار اشد أنواع النزاهة والكفاءة في الإدارة العامة سوف يستمر الغضب والشعور بتقصير الدولة وهذه توجهات في غاية الأهمية من المهم عدم السماح بها بالتزايد.

الأخوان المسلمون جمعية/حزب لها قيادة ويمكن التعامل معها بطريقة سياسية منظمة في لحظات الصفاء والتوافق، ولكن الشعور المتزايد بالإحباط والتهميش في الأطراف يشكل خطرا شديدا على استقرار الدولة.

من المهم إعادة صياغة الأولويات وبأسرع وقت ممكن والاستماع إلى الأطراف التي لم تتمكن حتى الآن من ايصال صوتها بطريقة مؤثرة فلجأت إلى اساليب مرفوضة وغير معتادة في الحياة السياسية الأردنية.