1- مدخل
شغل العالم كله وليس العالم الإسلامي فحسب، طيلة الأيام الخالية بالقضية الخطيرة: الفيلم المسيء. وقامت اضطرابات واشتعلت نيران وتفجرت براكين غضب ووقع عشرات بين قتلى وجرحى في مصادمات ما كان ينبغي أن تقع بين متظاهرين وسلطات بلادهم، وخاصة في بلاد «الربيع العربي». وصدق المثل العربي الشعبي القائل: «مجنون -أو مجرم كما في حالتنا- يلقي حجراً في بئر ومئة عاقل لا يستخرجونه».
2- فتش عن اليهود!
صدق وليام غاي كار في كتابه: «اليهود وراء كل جريمة» فهم المحرضون على كل شر يقصد به المسلمون، وكل صد عن سبيل الله، وكل تشويه للإسلام أو لصورة العرب أو المسلمين. ومن كان وراء الصور المسيئة هم اليهود، ومن يقفون وراء الفيلم السيء المسيء هم اليهود أيضاً.
ومن يهددون ثورات الربيع العربي ويشوهون صورة الأنظمة الجديدة ما بعد أنظمة القمع والبلطجة والفساد هم أيضاً اليهود.
3- أهدافهم من وراء الفيلم.
ما من عمل يقوم به فرد أو مؤسسة أو دولة ثم يكون بلا هدف. وهذا الفيلم كذلك له هدف، بل أهداف ينبغي معرفتها:
وأول هذه الأهداف: تشويه صورة الإسلام.
معلوم أن دين الإسلام أكثر دين يتوسع وينتشر ويزداد تابعوه ويدخله مستجدون وهو يتقدم لا بدعم دول ولا بجهدها ولا بموازنات ترصدها ولا بمجهود إعلامها، وإنما يتقدم بقوته الذاتية الفطرية الفكرية وتجربته التاريخية الناصعة. والصهاينة يحذرون من أن نسبة المسلمين في أوربا سنة 2050 هي 50% ورفعوا شعار: لا لأسلمة أوروبا! لا لبناء مزيد من المساجد في أوروبا بعد أن وصلت قرابة عشرين ألف مسجد ومصلى.
وثاني الأهداف: إيقاع الصدام بين المسيحية والإسلام.
أتقن اليهود فن قيام الآخرين بالحروب عنهم بالوكالة، فثأر أمريكا لدى العراق غير موجود، لكن ثأر «إسرائيل» موجود، فقامت بالحرب ثأراً لـ»إسرائيل». وهم هنا يجندون بعض العملاء الأقباط ومن خلال السينما الأمريكية ليقوموا بالحرب بدلاً عن «إسرائيل» وليقع الصدام بين أمريكا وأوروبا من جهة وأمة الإسلام.
وثالث الأهداف أو الأبعاد: إيقاع الصدام بين الأقباط بالذات والمسلمين.
معلوم أن أمريكا و»إسرائيل» جندت عدداً من الأقباط، وكانوا يحشدونهم في وجه مبارك التابع لأمريكا و»إسرائيل» كلما زار أمريكا لابتزازه مع عمالته. وإذا وقع هذا الصدام انتهى التعايش بين الأقباط والمسلمين وهو تعايش نموذجي عمره الآن أكثر من ألف وأربعمئة سنة. وإذا وقع أمكن لأوروبا وأمريكا أن تعيد الوصاية على بلداننا بدعوى نصرة المسيحيين.
هذه هي الأبعاد الرئيسة الثلاثية لمشروع الفيلم الشيطاني، ومشروع الفيلم السيئ المسيء والركيك والرقيع والساقط فنياً وأخلاقياً ودينياً وقيمياً، وعلى كل فالأقباط جزء من تكوين مصر والسودان لهم ما لنا وعليهم ما علينا ولا أحد يعلمنا التعايش!
ويمكن أن نضيف إلى الأبعاد الثلاثة الأهم أبعاداً أخرى من مثل: استفزازنا نحو ردات فعل متطرفة وهم يعلمون استعدادنا لهذا، حتى يقول الصهاينة للغرب: تأملوا العرب بدل أن يردوا علينا فيلماً بفيلم، قاموا يردون بالقتل والحرق والعنف، فهل هؤلاء في القرن الحادي والعشرين!؟ وهل هؤلاء أمة متحضرة؟ أهؤلاء شعب متمدن؟
ويمكن أن نضيف بعداً آخر: المطالبة للأقباط بدولة دينية؛ بهدف التعكير على عودة مصر للعروبة والإسلام، وبدء قيام دولة تنطلق من منطلقات دينية، أو قل إن رئيسها يلتزم بأحكام الدين في سلوكه. مجرد هذا لا يسلم، فقام هذا الفيلم لتبرير المناداة بدولة دينية للأقباط إحباطاً لمشروع تدين الدولة في مصر. وبخصوص موقف الأقباط فإنه من الواجب أن يعلن الأقباط هبتهم وغضبتهم مع إخوانهم المصريين، نصرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنهم مواطنون مسيحيون اعتقاداً كما كان يقول فارس خوري عن نفسه: أنا مسيحي عقيدة، مسلم حضارة وثقافة وتاريخاً واجتماعاً، فكذلك الأقباط، يجب أن تتبرأ قياداتهم الدينية والسياسية من هؤلاء العملاء والمجرمين الدخلاء الخوارج على شعبهم ودينهم وبلدهم.
وليعلم الأقباط أنّا تعايشنا طيلة التاريخ، وسنتعايش معاً إلى يوم القيامة، يسعنا قوله تعالى: «لكم دينكم ولي دين» الأقباط مواطنون والمسيحيون في لبنان وسوريا والعراق والأردن وفلسطين مواطنون لهم ما لكل المواطنين وعليهم ما على كل المواطنين. تدينهم بدينهم وحريتهم الاعتقادية والعبادية كل ذلك مكفول وأموالهم وأعراضهم ونفوسهم كل ذلك مصون، لا يعلمنا أحد هذه المبادئ فهي صميم ديننا.
وأمريكا الذي ظلت عنصرية حتى منتصف الستين من القرن العشرين يوم كان مارتن لوثر كنج يحلم بيوم يذهب فيه الطالب الأسود مع الطالب الأبيض في باص واحد إلى مدرسة واحدة.
هذه الأمريكا لن تعلمنا التعايش! ولا «إسرائيل» العنصرية النتنة المتعصبة القذرة الضيقة النزقة الشوفينية المؤلهة للشعب اليهودي ستعلمنا التعايش.
عار علينا أن نضعف تعايشنا ونعمم الحكم على الأقباط من أجل حفنة من السفلة يجند مثلهم في كل بلد بما في ذلك بالطبع فلسطين التي جند منها الصهاينة آلاف العملاء، فهل نعمم؟ بالطبع لا.
4- لماذا لا تهمل مثل هذه الأفلام؟
قد يخطر بالبال مثل هذا السؤال: لماذا يضخم المسلمون المسائل؟ لماذا تقيمون من الحبة قبة؟ لماذا تشهرون أعمالاً تافهة لا تستحق الاشتغال بها ولا الاشتجار حولها، فتخدمون عدوكم من حيث تقصدون أذاه أو الرد عليه، كما صنع الخوميني عندما زعم إباحة دم سلمان رشدي، وكان قبل سنة من هدر دمه أعطاه جائزة الدولة الإيرانية على أدبه أو قلة أدبه وبالذات على قصة: «أطفال منتصف الليل» إن لم تخني ذاكرتي، أليس الاهتمام بمثل هذه الأفلام أحسن دعاية لها؟
والجواب: الترك ليس حلاً، والإهمال ليس علاجاً، والتغاضي عن المجرمين أحسن إغراء لهم بالاستمرار في إجرامهم ويجرئهم على الاستمرار في غيهم ويجرئ على غيرها تماماً كما في القصة الرمزية التي ذكرناها مراراً، وهي قصة إخوة شباب سرق من خم دجاجهم بيضة فقالوا لأبيهم: سرقت من خم الدجاج بيضة، فقال: يا بني التمسوها حتى تجدوا من أخذها، فقالوا: أضاع أبونا عقله نقول له بيضة ويقول التمسوها والتمسوا من أخذها.
وفي الأسبوع التالي سرقت الدجاجة فلما بلغ ذلك الوالد قال: التمسوا البيضة واعرفوا من سرقها، ثم سرق العنز ثم البقرة وكل ذلك والأب يقول: التمسوا من سرق البيضة! لقد تجرأ علينا الحثالة واستنسر في أرضنا البغاث! وفي آخر زيارة لي لأمريكا من عشرين سنة كان افتتاح الهولوكوست فذهبنا نرى ما الأمر. وإذ بشخص على ناصية الشارع يرفع لافتة يبين فيها أن شعوباً أخرى أصابها مثل ما أصاب اليهود، فانبرت له مجموعة بأسياخ الحديد فضربوه حتى قريب من الموت! ولم يؤخذ منهم أحد، ولم يحقق مع أحد وطويت القضية. ومن قتل برنادوت؟ ومن.. ومن..؟
لا أحد في الدنيا يتجرأ على اليهود؛ لأنهم لا يسكتون عن «حقهم» أو قل عن باطلهم؛ لأنه لا حق لهم ولا عندهم.
بل يصرون على الباطل حتى يتحول في نظر قطعان العالم إلى حق، فكيف نسكت نحن على حقنا؟
على أن لا نبالغ في قضايا لا تستحق أحياناً فعلاً أن يرد عليها. لست أتحدث هنا عن الرسوم المسيئة ولا عن الفيلم السيئ المسيء، إنما أتحدث عموماً.
ونخوض معركة حيث ينبغي، وقد نغضي حيث ينبغي! والحديث عن محاولة الإساءة للرسول وكيف الرد على المجرمين، الحديث موصول.