تبييض جداول الناخبين
حتى اليوم لم اسمع من احد اي حديث عن تجاوزات والأعيب في عملية تسجيل الناخبين التي تشرف عليها الهيئة العامة للانتخابات وهذا إنجاز كبير لها يمهد الطريق لما بعد التسجيل من خطوات على طريق انتخابات حرة وعادلة . لم تكن عملية تزوير إرادة الناخبين في انتخابات سابقة تقتصر على حشو الصناديق في يوم الاقتراع بالأصوات المزورة لإنجاح فلان وإسقاط علان ولا هي اقتصرت على اصدار الهويات المزورة انما التزوير كان يبدأ بسجلات الناخبين وبشوالات دفاتر العائلة الطيارة من دائرة الى اخرى ومن محافظة الى محافظة التى أسست لحالة من المال السياسي الذي يشتري الذمم والضمائر بثمن بخس .
تنظيف جداول الناخبين من العبث والتزوير والاستهتار بمصالح الوطن سيكون إنجازا كبيرا ليس فقط للهيئة انما للوطن وهو خطوة كبيرة تدشن البنية التحتية للعملية الاصلاحية التي نرفع جميعا شعاراتها ، ومن الظلم الادعاء بان ما تقوم به الهيئة عملية سهلة فحجم التزوير المعشعش في القيود والجداول الانتخابية هو بالنسبة لحرية الانتخابات أشبه بتبييض السجون الذي تقدم عليه بعض الدول عندما تبدأ بالإصلاح السياسي .
في انتخابات ١٩٩٧ كشفت الصحافة ما سمي انذاك عملية تكرار الاسماء، كانت الحقائق صادمة للرأي العام وهي تطلع على أرقام خيالية للتكرار ، في جداول الزرقاء الانتخابية شاهدت بأم عيني كيف ان الآلاف من الناخبين كان للواحد منهم ٣٠ صوتا في ظل قانون الصوت الواحد . الجميع يذكر تدخل الديوان الملكي للتصدي لهذه المهزلة حيث شكلت لجنة عليا لمتابعتها استطاعت الكشف عن عشرات الآلاف من الاسماء المكررة لعشرات المرات وشطبها من الجداول .
في رأيي لم يكن قرار مقاطعة التسجيل في الانتخابات حكيما ، فالمقاطعة شئ وعملية تسجيل جداول الناخبين الجديدة شئ اخر ، المقاطعة قرار سياسي والتسجيل عملية بنيوية تتعلق بمسألة التأسيس الاداري والعملياتي والقانوني لعملية الاقتراع والخلط بينهما يلحق الضرر بمسألة الاصلاح ما تحقق منها او ما يتعلق بالمطالب التي تسعى المعارضة الى تحقيقها .
قوة الصوت الانتخابي هي رأسمال كل الأطراف وكل القوى فمن خلال التصويت بلا ونعم يتم استثمار قوة صناديق الاقتراع لرسم السياسات او التأثير فيها لأربع سنوات ، وهذا الاستثمار يكون صفرا عندما يفقد اي طرف وجوده في سجلات الناخبين ، وحتى المقاطعة تكون اكثر قوة عندما تنعكس على نسبة المقاطعين من المسجلين وليس بنسبتها من عدد من يحق لهم الاقتراع .
في الانتخابات الاخيرة في مصر سجل ٣٠ مليونا من ٥٠ مليونا هم مجموع عدد من لهم حق الاقتراع اي بنسبة ٦٠ ٪ وحصل الاخوان على الأغلبية ب ١٠ ملايين صوت اي خمس من لهم حق الاقتراع ، فالمنافسة الحقيقية في الديموقراطيات والمواقف تقررها النسب التي تستند الى عدد المسجلين وليس الى مجموع الشعب او عدد من يحق لهم الاقتراع من مسجلين وغير مسجلين .
الامتحان الاكبر للهيئة سيكون يوم الاقتراع اذا نجحت في التصدي لأي محاولة للتجاوز او التزوير في الهويات أوغيرها بما في ذلك رصد الاشخاص الذين يسعون لاغتصاب إرادة الناخب بالمال او بالالاعيب المعروفة ، ان الحزم الذي يظهره رئيس الهيئة عبد الاله الخطيب في تنقية الجداول الانتخابية وتصحيحها هو اكبر ضمانة ليوم اقتراع بلا تزوير وحتى اذا لم يمنحه القانون سلطة التصدي لبعض المظاهر السلبية والتجاوزات ( الشيطانية) فان ملاحظاته وتقييماته ومواقفه التي سيعلنها للراي العام ستكون حاسمة في تقييم النزاهة الانتخابية وفي تقرير صورة المجلس النيابي المقبل .