هل الأعيان أعانوا على التهدئة؟؟


لا يخفى على أحد عدم رضا جلالة الملك عن الصحافة في اللقاء الأخير مع وكالة الأنباء الفرنسية سبقه عدم رضا من الحكومة والحكوميون الكثر الذين لا يتقبلون إلا المدح والثناء لكل ما يصنعوه غير تاركين هامشا للإشارة لإخطائهم. نقبل منهم ذلك عندما يكونوا أنبياء لا ينطقون عن الهوى. كما ونقبل ذلك عندما لا يكون لهم إسهام وتأثير في الشأن العام. لكن قبولهم بأن يكونوا أصحاب قرار متعلق بالشأن العام بمعنى أنهم شخصيات عامة, حَقّ عليهم فتح صدورهم للنقد البناء الذي بدوره لا بد أن يشير لأخطائهم وسوءاتهم مع تأكيدنا على "بنّاء". وبالتالي تقبل الرأي الآخر وفرز غثه من سمينه.

النقد هو بمثابة تفنيد بين الحق والباطل وبين الصواب والخطأ وبين المقبول واللامقبول ولا بد منه خصوصا إذا كان سبب النقد يطال شعبا ووطنا أو شريحة من شرائحه.عند الإتفاق على هذا العقد نكون قد مارسنا أبسط حقوقنا الإنسانية وتحررنا من نظرة الراعي والغنم. أما عندما يتم اتخاذ قرار دون الإلتفات لما سينتج عنه غير مراعين لمصالح ومشاعر وحقوق من سيصيبهم القرار, فذلك يعني أن نظرة السيد للعبد ما زالت هي المسيطرة على نهج من يتقلدوا المناصب الرفيعة وأننا ما زلنا نساس بالعصا وبعقلية منتصف القرن السابق التي لم تعد تجدي بل هي من مظاهر التسلطية والشمولية(التي نتفهم دوافع بعضها) والتي دفنتها حتى المجتمعات الشيوعية.

من يغار على مصلحة الجماعة, وهي الشعب, لا يأبه برصا هذا أو ذاك لأن النتائج ستتحدث عن نفسها. لكن التمادي بالتصلب والتعنت والتمسك بما هو مرفوض من قبل الجماعة مسبقا, يعني خلق جو من التحدي يقودنا لحرب باردة قابلة لوضع أوزارها لأبسط الأسباب.

الحكمة تقول الإعتراف بالذنب فضيلة ومدعاة للإحترام وتأسيس لنسج خيوط الثقة التي بدورها تأخذ الناس نحو الهدوء والتهدئة التي بالتأكيد قيادتنا تحرص عليها. وكان جلالته قد ضرب مثلا ناصعا عندما ألغى قرار رفع أسعار المحروقات بعدما لمس أن هناك إجحاف قد حل بالشعب. فقد زاد حب شعبه له وضرعوا له بالدعاء. ألا تقولوا أن جلالته قدوتكم؟؟ فلماذا لا تقتدون به؟؟ لماذا تصرون على أنكم أنبياء وآلهة لا يقربها الخطأ؟؟

دعونا نولج بموضوعنا الرئيس للقول أن ما سبق ذكره من عدم الرضا قد تُرجم بموافقة ومصادقة مجلس الأعيان برئيسه الوديع دولة طاهر المصري الذي لسان حاله وتصريحاته الأخيرة توحي بمقولة " فخار يطبش بعضه" وكأن الأمر لا يعنيه بقدر ما يعنيه تواجد الرغبة بعدم الإسهام بالدفع نحو التهدئة والوصول لحلول تنسجم مع التوجه العام والتماشي مع متطلبات عصر الإتصالات. عصر جعل من العالم قرية صغيرة منفتحة لسهولة التواصل والإتصال وتعدد مصادر المعرفة والتنوير والحصول على المعلومة.

ما جعل جلالته يعبرعن عدم رضاه الكامل عن الصحافه هو وجود شوائب في الجسم الصحفي تعكر صفو المناخ الصحفي السليم الذي يسعى إليه جلالته. وندرك جميعا مدى انفتاح جلالته ومراعاته للحداثه والعصرنه وتفهمه بأن الإعلام من شأنه أن يخدم المسيرة ويساهم في تنمية الشعور بالمسئولية تجاه البناء وليس الهدم .

وإن حاولنا التظاهر بأن الصحافه الإلكترونية لاتشوبها شائبة نكون قد جانبنا الحقيقة . بنفس الوقت على أصحاب القرار وأعضاء الجسم الصحفي توخي الحرص في الطرح حتى لا يطيح الطالح بالصالح وتختلط الأوراق وتواتي الفرصة لركوب الموجة ويحشر المحسن مع المسيء في بوتقة واحدة. هناك الكثيرون من أبناء هذا الوطن الحريصون على عدم تعكير صفو الوطن مسخرين أقلامهم ومواقعهم لنفض الغبار عن الحقيقة التي كثيرا ما تغيب أو تُغَيّب . وإن كان البعض منهم ينهج نهجا يبدو قاسيا, فذلك مرجعه الغيرة والحرص على عدم تفاقم الأمور التي تترجم من بعض المتصيدين لتسليط الضوء الساطع على كل من يجعل خدمة وطنه الأردن هدفا يستدعي منه عدم المواربة والإبتعاد بنفسه عن النفاق والتملق.

الصحافة بمطلقها هي مرآة المجتمع التي تعكس صورته وحالته بكل ما تحويه من حلو ومر . وهنا يأتي دور ترتيب الأولاويات عند التعامل مع قضياة ما . فالأولى تبني ما تطرحه الصحافة إن كان يصب بصالح الوطن . ليكن مدى خدمة طرح ما للوطن والمواطن هو المقياس والمعيار الذي يستخدم عند التقييم وليس المعيار مدى رضا فلان أوعلان عما يُطرح . الوطن باقٍ بقاء الحياة, أما الأشخاص فزائلون.

إذا كان المتوقع من الصحافه التلميع مقابل الطمس نكون قد انزلقنا باتجاه تشجيع الشللية وخلق تكتلات صحفيه همها إرضاء داعمها ومحاربة الطرف المناوئ لها . سيؤدي ذلك لانشغال الصحافة بأمور لا تخدم الوطن وعندها تقوم الحكومة بدور المراقب المستمتع بهذه الملهاة التي وقودها الصحافة نفسها والكثير من الأبرياء وتبقى مرتاحة البال لا يقربها هؤلاء المنشغلون .

بمصادقة الأعيان على قانون المطبوعات والنشر وكما وردهم من النواب يعني عدم الإصغاء لمكونات الجسم الصحفي الذي هو مرآة المجتمع وعدم تعبيرهم وعدم احترام رسالتهم وعدم الإكتراث لمطالبهم مما يخلق مناخا من التحدي وتهديدا ووعيدا لإثبات الذات . كما سيؤدي لهجرة المواقع الإلكترونية للبحث عن مناخ أرحب يعطيهم حرية نشر في ظل رقابة رخوة. أضف لذلك هجرة الكثير من الأقلام الوطنية الحرة والغيورة والتي لا هدف لها إلا الإسهام في رفد ودفع المسيرة الوطنية والتي بقاؤها وإسهامها يعد إثراءا للمسيرة الصحفية . ونتوقع بالتالي تشكل صحافة دُفعت باتجاه المعارضة ينصب همها على محاربة من كانوا سببا بهجرتها وتغريبها .

هل هذه المصادقة كسر للعظم الصحفي؟؟ هل هي إجراء من شأنه التخفيف على المسيئين؟؟ هل هي تنظيم لخدمة السلطة الرابعة؟؟ هل سيبقى معالي سميح المعايطة بنفس الحماس والإندفاع بعد مغادرته كرسي وزير الإتصال؟؟ هل سيبرر موقفه للمهتمين بالضغوط وأن يديه كانتا مغلولتان؟؟ إن كان ذلك دفاعه نذكره باختراع اسمه الإستقالة والعكس يعني أنه انسلخ معنويا من الجسم الصحفي الذي وصل لما وصل إليه باسم ذلك الجسم . أسئلة نلتقط إجاباتها مستقبلا.

وللمتعقلين من الأمنيين والمستشارين والمعنيين وناقلي نبض الشارع الذي يستنير باستنارة الصحافة ، نقول تذكروا أن أصحاب المواقع وكتابها والأراء المطروحة البناء منها وغيره هم أصحاب فكر يترجموه بأقلامهم بكلمات تعمل عمل السحر في الشعوب. إذ بمقدورها التهييج مثلما بمقدورها التهدئة .

كما نذكربأجوائنا المحمومة والمليئة بأسباب الهيجان مما يتطلب منا جميعا كرسميين وصحفيين وقراء أن نأخذ الواقع, الذي يحدد ملامح المستقبل, بعين الإعتبار ولا نتجاهل رأيا أو توجها مهما بدى بسيطا لأن البعوضة تدمي مقلة الأسد .

إن كان هناك حرص على عدم إدماء مقلة الأسد فلنأخذ بالأسباب والوسائل التي تجنبنا ما نخشى حدوثه وعكس ذلك يعني الإصرار على الإستهتار الذي كل الغيورين يحاربون من أجل الخلاص منه . وذلك أملا بأن تعكس مرآتنا ما نرغب بانعكاسه نحن أبناء الأردن من خلال الصحافة التي هي انعكاس لكل ما يدور بالمجتمع من رأسه حتى أخمص قدمه .

وحمى الله الأردن والغيارى على الأردن. والله من وراء القصد.

ababneh1958@yahoo.com