أفكار لحل أزمة النفايات في عمّان

وكأن الأردنيين بحاجة لمزيد من جرعات الإحباط، بشرنا رئيس لجنة أمانة عمان بأن عجز الأمانة بلغ حوالي مليار دولار وأن ذلك هو السبب الرئيس وراء تراجع نوعية وكثافة خدمات النظافة في المدينة التي أصبحت تتحول لعاصمة تعاني من أمراض كافة العواصم المختنقة في العالم والمتوسعة دون حساب، بخاصة تراكم النفايات علما بأن المواطن الأردني يدفع 1-2 دينار تقريبا من فاتورة الكهرباء كلفة لجمع النفايات كما تدفع الشركات والمطاعم والفنادق مبالغ أكبر بكثير.

من السهل دوما لوم الآخرين بخاصة الإدارات السابقة وهذا ما فعله رئيس اللجنة. للأسف هو محق في موقفه، والمشكلة لا ترتبط فقط بالإدارة السابقة التي عكفت على مشاريع استراتيجية عقارية مكلفة وأنفقت الكثير من الرواتب والعطاءات واستملكت مساحات شاسعة من الأراضي، بل يعود السبب الرئيس إلى القرار الخارج عن كل حدود المنطق في العام 2007 بزيادة مساحة عمان بنسبة الضعف لتصل إلى 1680 كم مربع وهي مساحة أكبر من برلين (892 كم مربع) وموسكو (1081 كم مربع وسكان حوالي 10 ملايين) ولوس أنجلوس بحوالي (1290 كم مربع) ونيويورك ذات الملايين التسعة والمساحة التي تصل إلى (1214 كم مربع) منها مساحات شاسعة من الغابات والحدائق. أما مقارنة مع العواصم العربية العريقة وذات التعداد السكاني الكبير فحدث ولا حرج حيث تصل مساحة القاهرة إلى( 214 كم مربع) فقط ودمشق إلى ( 573 كم مربع).

وفي واقع الأمر لم يستفد من القرار إلا أصحاب الحيازات الواسعة من الأراضي الذين ارتفعت اسعار أراضيهم بشكل هائل مع ضمها إلى أمانة عمان بينما كانت الضحية الرئيسة نوعية الخدمات المقدمة إلى المساحة السابقة للمدينة والتي ما زالت تشهد تزايدا كبيرا في السكان والنمو العقاري والنشاطات الاقتصادية والتجارية.

الآن تقف النسبة الأكبر من آليات جمع النفايات بدون أن تؤدي دورها نتيجة غياب المصادر المالية المطلوبة للصيانة ويتم تقنين حركة الآليات الصالحة للعمل لتغطي كل هذه المناطق الشاسعة وبالتالي من المنطقي تراجع الخدمة. الآن تقف أمانة عمان في مرحلة حاسمة وعليها أن تأخذ قرارا في مدى إمكانية استمرارها في القيام بدور جمع النفايات للسنوات القادمة.

ربما يكون الوقت قد حان الآن لإنشاء شركة عامة-خاصة تسهم الأمانة فيها بنسبة 51% (عن طريق بيع بعض الأراضي المستملكة) ويتم منح هذه الشركة حق جمع النفايات وإعادة تدويرها في المواقع المخصصة وبطريقة مجدية اقتصادية تحقق ربحا.

هذه هي الطريقة التي أصبحت بها معظم بلديات العالم تقوم بأعمال جمع النفايات ولكنها تتطلب إنشاء بنى تحتية فعالة من مواقع الفرز والتدوير. من الممكن أيضا تنظيم عمل واستخدام المئات من جامعي النفايات الأفراد والذين يقومون بجهد كبير وغير مؤثر بالشكل الكافي في تقوية مدى تغطية جمع وفرز النفايات بطريقة تتضمن فعالية أعلى.

هذه الشركة يمكن لها ايضا أن تسهم في إنتاج الكهرباء عن طريق مصنع للغاز الحيوي حيث يتم "تلقيم” النفايات لهذا المصنع والذي بدوره يحولها إلى كهرباء يتم بيعها للشبكة الوطنية. هنالك تجربة صغيرة قامت بها أمانة عمان في الرصيفة وهي ناجحة منذ العام 1999 وتسهم في إنتاج 3 ميغاواط من الكهرباء ولكن في مدن شبيهة بعمان من حيث كميات النفايات يمكن إنتاج 100 ميغاواط ويمكن ايضا تغطية التكاليف عن طريق برنامج مدعوم دوليا لتخفيف انبعاثات الكربون من مكاب النفايات تعمل الأمانة عليه منذ عدة سنوات ويحتاج إلى المزيد من الجهد في المتابعة والتنفيذ.

عمان تحتاج لخطة إنقاذ مدنية وحضرية سريعة لحمايتها من السقوط في مصير العديد من العواصم التي توسعت بدون تخطيط وإذا بها تصبح غير قادرة على توفير متطلبات العيش الكريم وأبسط اسس النظافة لسكانها. عمان لا تستحق ذلك.