لا تســــيئوا لرسولنا ولا تعتدوا

إستنهضت الهمم العربية وبُحّت الحناجر وتفنن الكثيرين من أصحاب الأقلام والإعلام بإدانة مقتل السفير الأمريكي في ليبيا إختناقاً بعد محاولة إسعافه من المواطنين والتي باءت بالفشل بسبب الحريق الذي نتج عن إعتداء بعض الحانقين والغاضبين من أبناء الشعب الليبي إحتجاجاً على عرض مقاطع من فيلم ساخر أصاب شخص نبي الله محمد عليه الصلاة والسلام بشكل مزري ومثير للإشمئزاز, يكشف مدى الحقد الدفين والكره والتطرف لمخرجه الإسرائيلي- الأمريكي ولممثليه ولكل من يؤيد تصرفاتهم, فكان الخبر الأبرز والأهم في قنوات الوطن العربي لتغطيته وتنحت جانباً مآسي شعوبنا الأخرى الأعظم.
نحن ندين الهجوم ضد البعثات الدبلوماسية في كل مكان ولسنا ممن يقبلون التعدي على أفراد أي سفارة لأي دولة في العالم بالرصاص والقنابل ونؤمن بالإحتجاج السلمي دائماً, ولا تقل إدانتنا على ما اقترفته الأيدي الحاقدة العنصرية وما تقترفه بحق ديننا ورموزه وأمتنا وحضارتنا, وهنا فإن الولايات المتحدة الأمريكية تتحمل مسؤولية ما آلت إليه الأحداث فهي دأبت دائماً على تجاهل مواطن الغضب لدى الشعوب العربية والإسلامية على الخصوص وعمدت دائما على غض الطرف عن التصرفات العنصرية والمتطرفة المتتالية منذ زمن ليس بالقريب بحجة قانونهم الأعور في حرية التعبير والرأي, كما أن الأنظمة العربية فشلت مرة أخرى في إحتواء الجماهير الغاضبة في الوقت المناسب وكعادتها إنتظرت الأب الأكبر الأمريكي ليشجن ويدين ويحذر لتبدأ بعدها بالإدانة والإعتذار وكما يقول المثل " بعدما وقع الفاس بالراس" في الوقت الذي لم نسمع من أي مسؤول عربي في أي دولة عربية مسلمة أي تنديد أو إستهجان ضد الهجمة المتطرفة على الدين الإسلامي ورموزه طوال ال24 ساعة من حادثة تسريب تلك المقاطع المُشينة, وهذا كان سبباً في زيادة إحتقان الشارع العربي في مصر وليبيا ثم تلته تونس واليمن ومرشحة للتوسع. ولا نعرف متى سيكون للمسؤولين العرب مواقف مشرفة ومسؤولة تحمي الشعوب وتحمي كرامتهم وترفض الإساءة لهم وإلى متى ستبقى الردود العربية تتذيل المواقف الأمريكية.
نحن لن ننشغل بالهجوم على المُعتدين والمتسببين بمقتل أفراد البعثة الأمريكية في بنغازي - مع تأكيدنا على رفض أفعالهم - كما يفعل الكثيرون الذين يلهفون خلف استرضاء الولايات المتحدة والغرب بمواقفهم وتأدية أدوار "حقوقية متحضرة" مزيفة وخادعة تحمل كثيراً من صفات النفاق لأننا على يقين أن هؤلاء المتولولين على مقتل السفير الأمريكي لو أرادو فعلاً إظهار صورة الإسلام الحقيقي لكانوا تخلوا عن صفات لاتمت للدين بصلة ومنبوذه في ديننا وخاصة الهجوم و التشهير بالأشخاص المعتدين على السفارة وكان بدلاً من ذلك أن يبادروا بالنصيحة والتصويب وإظهار سماحة الدين من خلال الأنشطة التوعوية وأن يتسموا بالعدل والتوازن في التعاطي مع القضية بكل اتجهاتها بدلاً من محاولة تلميع مواقفهم أمام الغرب في تعليقاتهم وتصريحاتهم.فشهدنا عاصفة من الهجوم على مقتل أفراد البعثة الدبلوماسية الأبرياء ولسوء الحظ لم نسمعهم يهاجمون ويستنكرون بنفس القدر على التعدي على رموز الدين الإسلامي وكتابه الكريم وشهداء سورية ومعاناة المُضربين عن الطعام في فلسطين وحملة التطهير في بورما وغير ذلك في شتى بقاع الأرض.
في الولايات المتحدة الأمريكية إستغل الحزبان المُتنافسان على رئاسة أمريكا في الإنتخابات المُقبلة هذا الحدث وتاجروا بدم قتلاهم لتنفيذ أجندات تعتمد على التدخل في شؤون الآخرين وتحقيق مكاسب إنتخابية أخرى, فقد إستغل الجمهوريون في أمريكا للحدث لمهاجمة الرئيس أوباما وإتهامه بالتقصير لرفع رصيدهم وأما البيت الأبيض فقد سارع لإملاء شروطه على الدول التي تشهد إحتجاجات وأمر أوباما بتحريك مدّمرتين أمريكييتين قرابة المياه الليبية بحجة الحماية وخرجت السيدة هيلاري كلينتون مصدومة ومتأثرة وألقت تصريحاً تستنكر الهجوم على بلد ساعد في تحريرها من قبضة المجرم معمر القذافي وكأنها كانت تتوقع في مقابل مساعدتهم لليبيا أن لبلدها الحق في التعدي أو أن تكون أرضها منبعاً للمتطرفين والمُهاجمين على شعوبنا العربية والإسلامية.
على كل حال فإنه من حق الشعوب العربية والمسلمة التظاهر والإحتجاج والغضب طالما تم الإعتداء عليها وعلى حقوقها ونؤمن أن جميع أنواع التعبير يجب أن تكون ذات طابع سلمي وأن حماية السفارات الغربية والعربية من الإقتحامات واجب وسلامة مبعوثيها واجب أيضا وفي المُقابل علينا أن نتوخى الحذر من أن نسمح لأحد بأن يُحمِّل ربيع التغيير وشعوبها مسؤولية أي خرق أو تجاوز في سلمية الإحتجاجات بل نُحمّل كل من برّر و سمح وصمت على تجاوزات الحاقدين الإرهابيين, فمن قام ومن يقوم بالتعدي على الدين الإسلامي وسيده ليس جاهلاً بعدالة ورحمة وسماحة الدين الإسلامي وليس بحاجة إلى دورات توعية بل هُم يقومون بحملة شرسة مدروسة ومدعومة ضد هذا الدين الحنيف لما فيه من حضارة وعدل ومساواة. لذلك فإن على الغرب أن يقوم بمسؤولياته وتعديل قوانينه ويعيد ترتيب أوراقه في التعامل تجاه الوطن الإسلامي وعلى المثقفين المسلمين ورجال الدين أن يقوموا على واجباتهم بالتوعية والتصويب والنصيحة.
فطالما إستضعف الغرب وعلى رأسهم أمريكا وإستخفوا بالشعوب العربية والإسلامية فستبقى تلك الشعوب تحمل العداء ضدها وستلقنها دروساً كما لقنتها عند خلع مندوبيها من الحُكام العرب في تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية قريباً بإذن الله