متى يعود رجال الدرك إلى ثكناتهم؟
من العقبة إلى الرمثا، لا نرى غير مظاهر الاحتجاج وأرتال الدرك. لم نعد نسمع كلاما في السياسة، لا من الدولة ولا من المعارضة؛ أوامر عمليات من هنا، وشعارات مستفزة من هناك؛ تهديد ووعيد متبادلان، ومحاكم أمن الدولة.
الإضرابات تشل قطاعات حيوية تكبد الخزينة خسائر بالملايين، اعتقالات مبرمجة في عمان والطفيلة والكرك، اعتصامات ومسيرات شبه يومية تتخطى في شعاراتها كل السقوف، وميل متزايد إلى العنف في بعض المناطق.
باستثناء تصريح مقتضب لمصدر رسمي لم يكشف اسمه حول وجبة التوقيفات لناشطين في الحراك، لم يكلف مسؤول خاطره ليشرح للناس ما يحصل في البلاد؛ السياسيون في مواقع صناعة القرار يلوذون بالصمت، وقد أخلوا الساحة بالفعل لقوات الدرك ومكافحة الشغب. المشاهد تبعث على الرعب فعلا؛ رجال مقنعون في مواجهة شبان غاضبين. صار هذا المشهد يتكرر يوميا، فأي مشاعر تتراكم في النفوس؟!
الانطباع السائد لدى أوساط عامة هو أن الدولة شرعت في تطبيق خطة متكاملة لضرب الحراك، والميل المتزايد لاستخدام القوة ضد المعارضة. في المقابل، تساهل غير مفهوم مع مظاهر عشائرية وقبلية تتحدى سلطة القانون، وصلت حد تعطيل قدرة المسؤولين على اتخاذ القرار تحت التهديد.
ما يثير الاستغراب أن ما يجري من تأزيم وتصعيد يتزامن مع جهود رسمية وأهلية محمومة لإنجاح أهم خطوة من خطوات العملية الانتخابية، وهي تسجيل الناخبين. ومع قرب حل مجلس النواب ورحيل الحكومة المتوقع في غضون أيام، تبرز الحاجة إلى خلق مناخات جاذبة في البلاد، تعيد الثقة بالانتخابات، وتحفز الأحزاب والمرشحين المسيسين على المشاركة.
الأجواء السائدة حاليا لا توحي أبدا بأن البلاد سائرة إلى انتخابات، وإنما إلى مزيد من الاحتقان والتوتر المؤديين بالضرورة الى انكفاء السياسيين عن الترشح، وعزوف الناخبين عن المشاركة. كل ذلك يدفع بالمتشككين إلى الاعتقاد الجازم بأن مجلس النواب المقبل سيكون صورة عن المجلس الحالي، "وكأنك يابو زيد ما غزيت" كما يقول المثل الشعبي.
وربما يحدث ما هو أسوأ من ذلك؛ انفلات الأوضاع في الشارع، والاصطدام في لحظة مفاجئة يصعب بعدها السيطرة على الوضع إلا بمزيد من القوة. وهكذا ندخل في دوامة من العنف وردود الأفعال المأساوية.
لا تريد الأغلبية الساحقة من الأردنيين التضحية بالاستقرار من أجل إصلاحات غير محسوبة، بل تسعى إلى إصلاح يدعم الاستقرار، ويرسي قواعد الحكم الصالح. لكن هناك من يدفع بالناس دفعا إلى الجدار ليخرجوا عن طورهم.
كل الأطراف مدعوة إلى وقفة تأمل، لتعيد ترتيب أوراقها وأولوياتها. ولتكن الأيام التي تلي حل البرلمان ورحيل الحكومة نقطة التحول في التفكير والخيارات، يعود معها رجال الدرك إلى ثكناتهم، ويعود السياسيون إلى صدارة المشهد من جديد.