لا يوجد في مدينتنا لصوص


احيانا كثيره يكون الغباء اسلم من الذكاء وتكون القراءة السطحيه أنجع وأسهل للدماغ من التحليل والفهم. ولكن ضروف الوطن الحاليه اضطرتنا ودون رغبة منا لمتابعة قرارات الحكومه ومحاولة فهم مبرراتها لأننا فقدنا رفاهية إهمالها فما عادت لدينا القوة ولا القدرة الماليه لتحمل أعبائها التي أثقلت كاهلنا وأقضت مضاجعنا وأسهمت بشكل مباشر وغير مباشر بزيادة الفقر وارتفاع نسب الجريمه.

وقد عشنا أسبوعا حاميا كاد ان يدمر استقرار الوطن بعدما قررت الحكومة بليل لا ضوء فيه رفع أسعار البنزين مما نشر البنزين في كل الشوارع وكان هناك الكثيرين ممن تبرعوا بثقابهم لإشعال الشوارع لولا التدخل الحكيم وفي الوقت المناسب من جلالة الملك بتجميد القرار.

ولان القرار جمد ولم يلغى فلا بد من النضر في حيثياته وهل هناك مبررات ماليه له تستوجب انفاذه.

وقبل ان أخذكم لتحليل ذلك لا بد من ان اقول لكم ان هذا القرار قد ذكرني بالكاتب الكولمبي الشهير غابرييل غارسيا ماركيز في قصته الشهيرة" لا يوجد في هذه المدينة لصوص"-، فقد سرق  داماسو في تلك القصه طابات البلياردو التي يلعب بها رجال القريه وكاد ان ينفذ بفعلته لعدم شك الجيران به ولأنهم القوا القبض على غريب لا بواكي له البسوه الجريمه. ولكن الحقيقة بقيت ان الرجال لم يعد لديهم ما يلعبون به فحاول داماسو ان يعيد الطابات بنفس ألطريقه التي سرقها بها فألقي القبض عليه واتهموه بالسرقات الاخرى وعندما صاح مبررا انه لم يسرق اجابه صاحب الملهى" ان تكون لصا ليس أسواء من ان تكون مغفلا".

وهي نفس الجميله التي اود ان أقولها لمن يدعي انه يدعم أسعار المحروقات ولذلك يريد رفع أسعار البنزين لتخفيف العبء على الموازنه. فانا اعرف ان سعر برميل النفط اليوم حوالي المائة دولار. وبرميل النفط يحوي ١٥٩ لترا. ينتج عند تكريره حوالي ٣٠٪ بنزين ، ٣٠٪ ديزل، ١٥٪ وقود طائرات، ١٠٪ فيول وكاز و١٥٪ مواد وزيوت اخرى. وبحساب بسيط نجد ان لتر البنزين يكلف حوالي ٤٤ قرش اردني يتبعه حوالي ٣٠٪ تكاليف انتاج ونقل و لو أضفنا ٢٠٪ أرباح مصفاه فسيصل السعر الى ٦٩ قرشا وبدون اي دعم حكومي.

هذا هو الحساب الطبيعي والمنطقي واذا كانت التكلفة اكثر من ذلك فعلى وزير الطاقه قبل ان يتقدم لرئيسه باقتراح رفع الأسعار ان يكلف نفسه قليلا من الوقت ويتأكد من هذه الأرقام وسيجد ان الدعم الذي تقدمه الحكومه لا يتأتى من زيادة أسعار النفط بل من خلل اداري او مالي فني في ادارة وتكرير النفط. واليمين الذي اقسمه امام جلالة الملك يوجب عليه البحث في ذلك قبل التوجه وحسب رأيه الى الحل الأسهل وهو جيب المواطن. فجيوبنا لم تعد مرتعا للتغطية على عوراتهم وآليات ادارتهم ووجودهم كأشخاص ليسوا اصحاب اختصاص يفتون بما لا يتقنونه جعلتنا كمواطنين ننام وعيونها مفتوحه ولن نسكت او نغفر لهم.