حالة غليان خطيرة في الاردن


يقف الاردن هذه الايام امام مفترق صعب، فالجوار السوري يكلفه الكثير من الازمات على الصعيدين الامني والاجتماعي بسبب تدفق آلاف اللاجئين دون حساب، والحراك الشعبي المطالب بالاصلاحات السياسية دخل مرحلة جديدة من التصعيد بعد دخول الاسلاميين الى الميدان بصورة اقوى، وبدء ظاهرة التشهير برموز الدولة التي انطلقت من الغرف والدواوين المغلقة الى الاعتصامات العلنية.
الملك عبدالله استطاع بمبادرته السريعة بالغاء قرار حكومي بزيادة اسعار المحروقات امتصاص حالة غضب شعبي بدأت تطل برأسها بقوة، ولكن ذيول الاحتقان ما زالت موجودة وتعكس نفسها في اشكال عديدة.
مدينة الطفيلة شهدت مظاهرات احتجاجية صاخبة شارك فيه المئات، وهناك من يقول ان الارقام اكبر من ذلك، وكان اللافت فيها ترديد هتافات باسقاط النظام. والتحريض ضد الفساد والفاسدين وتسمية رؤوس كبيرة في الدولة، الامر الذي دفع محكمة امن الدولة الى توقيف ستة من اعضاء الحراك الشعبي في المدينة لمدة اسبوعين على ذمة التحقيق بتهمة اثارة النعرات السياسية في البلاد والتحريض ضد نظام الحكم، ا شخصيا.
وتبدو السلطات الاردنية في حالة من الارتباك بسبب انشغالها في مواجهات على اكثر من جبهة في الوقت نفسه، دون ان تحقق نجاحا في اي منها، وجبهة الاصلاح السياسي على وجه الخصوص.
توقع الكثيرون ان يقدم الملك على اقالة حكومة السيد فايز الطراونة فور تدخله، اي الملك عبد الله الثاني، والغاء جميع الزيادات في اسعار الوقود وبعض السلع التموينية الاخرى، استجابة لتقدم 80 نائبا بعريضة تطالب بسحب الثقة من هذه الحكومة، ولكن هذه الاقالة لم تتم لاسباب غير مفهومة، الامر الذي وفر ذخيرة حية لمجالس النميمة السياسية وما اكثرها في الاردن هذه الايام.
الوضع الاقتصادي المتدهور في الاردن زاد من حالة الارتباك هذه، وقلص من قدرة السلطات على المناورة، او حتى الاقدام على قرارات جريئة في ملفات عديدة، فالغاء زيادة اسعار المحروقات يعني احداث فجوة كبيرة في ميزانية الدولة، ربما تنعكس سلبا على قدرتها على صعيد دفع رواتب موظفي الدولة.
خبراء في الشأن الاقتصادي يتحدثون عن حاجة الدولة الى اربعة مليارات دولار على الاقل لتلبية الاحتياجات العاجلة ومن بينها دفع الرواتب، ومواصلة دعم السلع الاساسية وعلى رأسها البنزين والمازوت، ولكن تراجع دول خليجية، عن وعودها بتقديم دعم مالي عاجل فاقم من صعوبة الازمة.
عندما انفجرت الاحتجاجات على ارضية ازمة المحروقات عام 1989 في جنوب الاردن (مدينة معان) بادر المغفور له الملك حسين في حينها الى زيارة العشائر والالتقاء بقادة الرأي في المنطقة، واتخذ قرارات جريئة من بينها حل البرلمان، وتغيير الحكومة، والدعوة الى انتخابات عامة فاز الاسلاميون بعدد كبير من المقاعد فيها، ونجح من خلال ذلك في امتصاص الازمة وتهدئة الشارع الاردني.
المأمول ان يستفيد خليفته الملك عبد الله من حكمة والده، وسرعة تحركه، ويستفيد من دروس تلك الازمة ويتجاوب مع المطالب بالاصلاح، وابرزها تعديل قانون الصوت الواحد الانتخابي، والدعوة الى انتخابات جديدة مع ضمان نزاهتها وعدالتها، واحترام ما تأتي به صناديق الاقتراع من نتائج حتى لو كانت غير ما يتمناه.
التأخير ليس في صالح الدولة ، وربما لا نحتاج الى التذكير بما حدث في دول مثل سورية وتونس ومصر، عندما تلكأ قادتها في الاستماع الى نداءات المطالبين بالاصلاح مبكرا، وبالدول الملكية الاخرى التي كانت اكثر واقعية ودهاء ونجحت في امتصاص ثورات ربيعها وهي في بواكيرها، وقادت سفينة الحكم الى بر الامان. واملنا ان الملك عبد الله الثاني قادر على انقاذ السفينة في هذا البحر الهائج المتلاطم الامواج والتيارات والمليء بالصخور الظاهر منها والمختفي تحت الماء.