كلمة في الاعتقالات
مجرد كلمة "الاعتقالات" أصبحت من تراث المرحلة البائسة المنصرمة التي ثارت عليها الشعوب العربية والتي يجب أن تذهب بلا رجعة، وينبغي أن تنتهي من القاموس الجديد، خاصة عندما تكون مصحوبة بالتعامل الفظّ والاعتداء على المعتقلين بالضرب والسباب والشتائم، وتعريضهم لمعاملة غير إنسانية، تحوي اختراقاً واضحاً لحقوق الإنسان، وإساءة للكرامة الآدمية، كما حدث خلال الأشهر السابقة، ولم تخضع هذه الممارسات المشينة للمراجعة والمساءلة العادلة، علماً بأنّ هذه الممارسات الخاطأ لا تسقط بالتقادم، ولا يجوز الاتكاء على افتراض ضعف الذاكرة الشعبية، وافتراض الجبن والخوف لدى عامة المواطنين. إنّ حملة الاعتقالات الأخيرة سوف تدخل البلاد في نفق مظلم، وسوف تزيد حدّة الأزمة، وتعمّق الجراح النازفة للشعب الذي ما زال يئن من وطأة الاجراءات الحكومية المتعاقبة التي ما زالت مصنفة تحت باب ممالأة معسكر الفساد الذي ما زال يحكم قبضته على مقدرات البلد، وما زال صاحب الكلمة النافذة في استمرار السياسات السابقة، وفي الاستئثار بجملة المناصب العليا للدولة، بعيداً عن أسس العدالة وبعيداً عن معايير النزاهة والشفافية المطلوبة، وسوف يتحمّل المسؤولون والحكومة وصنّاع القرار ما يترتب على هذه الخطوة من آثار خطيرة. يجب أن نصل إلى مرحلة جديدة يتم الاعتراف فيها بمطالب الشعب المشروعة بالديمقراطية وقيم الحرية، والكرامة واحترام الإرادة الشعبية وحق الشعوب بالمشاركة في تقرير مصيرها، وانتخاب حكوماتها، والقدرة على مراقبتها ومحاسبتها، ومن ثمّ يجب الاستغناء عن كلّ الأدوات القديمة، والأساليب القمعية، ومنهجية فرض القرارات العلويّة والسياسات الفوقية عن طريق استخدام العنف الأمني والعصا الغليظة، التي من شأنها تأزيم الأوضاع الداخلية وزيادة منسوب التوتر الشعبي. لم تعد المعالجات الأمنية هي الطريق الآمن ولا هي الأسلوب الناجح، في معالجة الاحتقان السياسي، ومعاجلة المطالبات الشعبية المشروعة، حتى لو كانت مصحوبة ببعض التجاوزات الفردية والأخطاء التكتيكية؛ لأنّ ذلك يعطي الفرصة للمقامرين ويفتح المجال واسعاً أمام المزايدات الانفعالية، التي تصب الزيت على النّار. المطلوب معالجة سياسيّة حكيمة، وإدارة حكومية حصيفة تعتمد منهج التهدئة، وتخفيف بؤر التوتر، والعمل على إزالة الاحتقان، وما زال هناك فسحة وما زال هناك فرصة لهذا الخيار الأقلّ كلفة والأخف خطورة على مجمل حيثيات المشهد السياسي المحلّي وعلى مستقبل العملية الإصلاحية. وينبغي تجنّب توصيات الرؤوس الحامية التي لا تعرف إلاّ لغة القوة والتأديب العنيف واستعمال الأمن الخشن، ويجب تجنب سياسة التحريض، وإثارة الفتنة، كما يجب عدم اللجوء إلى الحملات الإعلامية التي تؤجج الصراعات الداخلية مهما كانت درجة الخلاف، ومهما كان التباين في درجة تقدير الموقف. نحن بحاجة إلى الطروحات الإعلامية التي تحمل المبادرات، وتبحث عن الحلول، وتقلل الفجوة بين الأطراف وتردم الهوّة بين مكونات المجتمع، وتوقف أولئك الذين ينفخون بكور الفرقة والفتنة العمياء، وأدمنوا على إطلاق الاتهامات بلا سقف وبلا حدود وبلا ضوابط. |
||