شباب ، اللي حط الحشيش للرئيس يرفع ايده

بعد قراءة أولية للخطاب : " شباب ، اللي حط الحشيش للرئيس يرفع ايده


هكذا عنون محمد رشيد مستشار الرئيس الراحل ياسر عرفات مقاله المخصص لمناقشة وتحليل مضمون او مضامين ما تحدث فيه رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ، وغمز في مقاله التحليلي والشيق والظريف والمؤلم في ان معا الى اولئك المقربين من الرئيس عباس الذي يقدمون له النصح والمشورة كالطيب عبد الرحيم ومحمود الهباش وغيرهما وفيما يلي نص المقال رقم 36 :

" يسرقون رغيفك ، ثم يعطونك منه كسرة ، ثم يأمرونك ان تشكرهم على كرمهم ، يالا وقاحتهم " أديب الشعب - غسان كنفاني -

لم يكن سهلا متابعة كامل مداخلة " الرئيس " محمود عباس الطويلة ، و لا اجاباته على أسئلة الصحفيين ، فطول المداخلة دفعني الى الملل ، كما اجبرت المداخلة الفضائيات العربية الواحدة تلو الاخرى الاعلان عن الاكتفاء بقدر من المؤتمر الصحفي ، و تلك من الأخطاء التقليدية لطاقم رئاسي يفتقد المعرفة و الكفاءة .

على اي حال ، تابعت الامر متنقلا بين الفضائيات ، و استطيع القول ان عباس قد اخفق عن غير قصد في ترتيب اولوياته في ضوء تطورات الايام الاخيرة من مظاهرات و إضرابات ، كذلك اخفق حقيقة في الظهور بمظهر " الرئيس " ، و اكتفى بتكرار كلمة " لا " ، بطريقة فيها الكثير من " الدلع " غير اللائق برئيس فلسطيني ، و لا حتى برجل !! ، و ساوى في " اللاءات " بين الاحتلال و الشؤون الوطنية و أحوال البلاد و العباد .

عباس الذي كان قد " اقسم " قبل اكثر من عام انه ان رفع فلسطيني واحد في وجهه شعار ارحل فانه سيكون الثاني ، اغفل مظاهرة نابلس ليلة امس لعشرات الشباب و هم يودعونه " باي باي باي ، عباس باي باي " ، و اغفل شعار " الشعب يريد إسقاط النظام " ، إذن لا مصداقية في كلامه ، و" لا كوارع ، ولا نيله " كما يقول عادل امام في مسرحية الزعيم .

الحكمة خانت عباس ، او ربما تعمد ، في اعلان و تجديد التمسك بكل معاركه الرئيسية منها و الفرعية على حد سواء ، و بنفس الحماس و التشدد ، بدلا من توجيه طاقاته و طاقات من معه الى المعركة الرئيسية ، ، و بالنسبة لي ذلك يعني ان عباس لا يريد ان يخوض في اي من تلك المعارك ، و لا يريد " تفكيك " اي من معاركه الجانبية ، الحركية و الداخلية و الوطنية ، او ان " الراجل الجالس الى يمين عباس " يعطيه المشورة " المهببة " ، كما اتبع الخط الذي رسمه له مستشاره اللاهوتي محمود الهباش منذ امس في تصعيد لهجته ضد عواصم عربية معروفة .

لكن الأهم من ذلك كله هو كيفية معالجة عباس لبعض الأسئلة الكبرى ، و كذلك تجاهل بعضها الاخر ، فمثلا ، تناوله لملف " موت الرئيس عرفات " اثار الشبهات و لم يقدم اجابات ، و من المخجل ان يدعي " عرفنا أمورا لم نكن نعرفها " ، و كلنا نعلم منذ اليوم الاول بان " القتل العمد " كان هو الترجيح الاول ، و اخفق في تعليق الملف في رقبة الجامعة العربية " حمار الساقية " وتعمد الخلط بين وظائف المختبر السويسري و تدويل القضية سياسيا ، و بين القيمة القانونية و التاريخية الحاسمة للتحقيقات الجنائية الفرنسية ، و ترك في الأذهان ريبة واضحة .

الامر نفسه حدث في معالجته للعلاقة مع اسرائيل ، حين كشف ان رئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق " إيهود أولمرت " عرض عليه اعادة اراضي الضفة الغربية مضافا اليها 20% من حجم اراضي الضفة " بخشيش " ، و ذلك برسم أولمرت ليرد عليه ، لكنه أستدرك قائلا " كما ان أولمرت " وعد بالتفاوض الايجابي حول القدس و اللاجئين و الاستيطان و الأمن " ، اهلا و سهلا ، إذن هنا نجد تضليلا واضحا ، بفصل القدس ، بل القدس الكبرى و البحر الميت عن الضفة الغربية ، إذن ضاع " البخشيش " و تحول الى ثمن مكلف للغاية .

اما إحلال قوات من طرف ثالث متفق عليه للضفة ، و خاصة غور الأردن ، بدلا الوجود العسكري الاسرائيلي الدائم ، فان عباس يعلم يقينا ان ذلك المخرج اقترحه " صديقه اللدود " افيغدور ليبرمان منذ العام 2000 ، تعزيزا لحماية حياة جنود دولة اسرائيل ، و تدويل الدفاع عن حدود إسرائيلية آمنة ، فلا فضل او إنجاز لعباس او أولمرت في ذلك ، ان كان ذلك انجازا .

عباس " يجاهد " لان يجعل من قضية الذهاب الى الامم المتحدة خطوة تاريخية خارقة للعادة ، و اعترف بانها خطوة تاريخية خارقة للعادة ، فهي خطوة سوف تسلب الشعب الفلسطيني ثلاثة حقوق مقابل الاعتراف بعباس رئيسا من دول ، " 133 دولة " ، تعترف بذلك اصلا منذ العام 1989 ، " فين الجديد يا عبدالمجيد " !! .

هناك جديد ، اعتراف الجمعية العامة بفلسطين دولة غير عضو سيرافقه ثمن باهض جداً ، فمن جهة سيثبت شرعية اسرائيل على كل ما هو غير وارد في قراري مجلس الأمن الدولي 242 و 338 ، بكل ما يرافقهما من تفسيرات قانونية مختلفة ، دون ان تضطر اسرائيل لبذل اي مجهود او تقديم اي تنازل ، و تلك ترجمة حرفية للهبة السلطانية عندما منح " الرئيس " صك الخلود العباسي " لدولة اسرائيل قبل ايام ، اي ان عباس منح اسرائيل ما هو لقيصر ، و قبل ان يفاوضها في ما هو لله كذلك !!.

كذلك ، تضع خطوة عباس النهاية لأية امكانية للتفاوض على حق اللاجئين في " العودة الى الديار " ، ليحل بدلا منها " حرية العودة الى الدولة " ، و تصبح مسالة الحدود ، مشكلة اراض متنازع عليها بين دولتين جارتين ، اما الخسارة الرابعة فهي فرض " واجبات الدولة " وفق مفهوم القانون الدولي على الجانب الفلسطيني ، و انتزاع قدسية و حق المقاومة من يد الشعب و حصرها بيد " فئة حاكمة " محصور بها قرارات الحرب و السلام .

كل ذلك ترافق مع " خفة " ملفتة ، و " استهتار " واضح بالدماء الفلسطينية المراقة في سوريا ، و التقليل من اعداد الشهداء و المهجرين خاصة ، فتحدث عن " عدد قليل " على الحدود الاردنية !! ، و اغفل اكثر من عشرة الاف على الاراضي اللبنانية ، مع محاولة صادمة لتوزيع مسؤولية تلك الدماء الطاهرة بين صديقه الجزار بشار و بين ثورة الشعب السوري ، و ادعى الحياد ليخفي الانحياز !! .

واحدة من السقطات الملفتة في خطاب عباس ، بل اهم السقطات على الاطلاق كانت اعترافه بوجود أموال في صندوق محمد مصطفى ، مخصص للصرف و الاستثمار الانتقائي " للأصدقاء و الأهل "، و قبلها بقليل كان قد قال " أبشركم بخبر سيئ ، لن نستطيع دفع رواتب اب و لا ادري متى نستطيع " ، فلماذا الصبر عليه ، و تركيز الهجوم على من لا يملك و لا يحكم ، لماذا الهجوم على الدكتور سلام فياض ؟!! .

غرق خطاب " الرئيس " في " الإنفاق " و تجارتها المليونية المربحة ، دون ان نعرف في الواقع ان كان ذلك عن " حسد ام ضيقة عين " ، و طبعا ليس هناك من يمانع ، او يجرؤ على ذلك ان اقدم " الرئيس " على منح ولده " طارق " وكالة حصرية لتجارة الإنفاق ، كما فعل في ملف شركات الحماية الأمنية ، فالدين لله و الوطن لعباس .

صديق قال لي بعد خطاب عباس ، ان " مسطولا " كان يتابع الخطاب من " الغرزة " ، فالتفت الى اصدقائه في " القعدة " و صاح بصوت مرتفع " اللي حط الحشيش للرئيس يرفع ايده "