مشكلة الإخوان المسلمين ،عندنا هنا في الأردن، أنهم لا يدركون أنهم أصبحوا في هذه المرحلة ،مرحلة الربيع العربي وقبل ذلك بقليل، فرس الرهان ليس بالنسبة لبعض الناس في بلدنا وفي منطقتنا العربية فقط بل أيضاً بالنسبة للولايات المتحدة وللغرب عموماً وهذا لم يعد بحاجة لا إلى أدلة ولا الى براهين فالأميركيون هم الذين أسقطوا أحمد شفيق لمصلحة الرئيس محمد مرسي ،ليس بالتزوير وإنما بالضغط السياسي، والمعروف أن وزيرة الخارجية الأميركية كانت وجهت الى المشير المقال محمد حسين طنطاوي تعليمات ،في هيئة أوامر، بأن على المجلس العسكري الإسراع في تسليم السلطة الى «المدنيين» والمقصود بهذا بالطبع هو «إخوان» مصر الذين يقبضون الآن على الحكم بقوة وحرص شديدين بعد انتظار استمر لأكثر من ثمانين عاماً.
وهنا ،حتى لا يُفهم هذا الكلام على أنه غمز ولمز وأنه إتهامات ظالمة لا سمح الله، فإنه لابد من التأكيد ،وليس القول فقط، على أنه لا يعيب «إخوان» مصر أن يمدوا يد التعاون الى الأميركيين وإلى الغرب والشرق حتى الوصول الى الصين الشيوعية فهم أصبحوا يحكمون أكبر وأهم بلد في الشرق الأوسط والمنطقة العربية وهذا يقتضي ان يتصرفوا وأن يقيموا علاقات مع كلِّ من في الكرة الأرضية على أساس مصلحة هذا البلد وشعبه.. وأيضاً والأمة العربية وليس على أساس المصلحة الحزبية «الإخوانية» الضيقة وهذا ما أظهره الرئيس محمد مرسي في خطابه الشهير في قمة عدم الإنحياز في طهران الذي حظي بإحترام وتقدير كل من سمعه وفي خطابه الأخير في اجتماع مجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية.
ولذلك وخلافاً للمؤشرات الإيجابية جداً التي أخذ الرئيس مرسي يظهرها في كل المناسبات وكل الأنشطة الخارجية وفي بعض الإجراءات الرسمية الداخلية فإننا نجد أن «إخواننا» هنا يصرون على التعامل مع كل هذه التحولات الخطيرة في بلدنا وفي المنطقة بأسلوب «الزعرنة» الحزبية والمراهقة السياسية وعلى غرار ما كانت تفعله بعض تنظيمات اليسار القومي التي تحولت الآن الى شراذم «لا هي في العير ولا هي في النفير» بسبب تصرفاتها وشعاراتها ومنطلقاتها الطفولية القاصرة.
ولعل ما يعزز خيبة الأمل أن الإخوان المسلمين هنا في الأردن بدل أن يواجهوا تحديات هذه المرحلة الصعبة والخطيرة بالحكمة والانفتاح حتى على الذين يخالفونهم الرأي وبدل أن يرفدوا انتقالة إخوانهم في مصر بمواقف وسياسات راشدة وعاقلة وجدية إختاروا اللجوء ،ربما لعجزهم وضيق أفقهم ولافتقادهم للقيادات التاريخية كقيادات كل العقود الماضية وحتى بدايات تسعينات القرن الماضي، الى الألاعيب والمناورات السخيفة والى الإشاعات الباطلة واختراع الأكاذيب الملفقة لاستعادة «شعبية» فرّطوا بها وخرجت من أيديهم بعدما سلموا قيادتهم لبعض الهواة الذين يعتقدون أن نيل المطالب يمكن أن يتم بـ»التشبيح» وبـ»الفبركات» والتلاعب بعواطف الأردنيين.
أليس عيباً أن تلجأ جماعة أصبح عمرها نصف قرن وعشرة أعوام وأكثر الى فبركة «كذبة» السبعين ألف بطاقة انتخابية المزورة... والسؤال هنا هو :ولماذا يا ترى اقتصر هذا التزوير المزعوم على مجرد هذا العدد الذي تحدثوا عنه ولماذا لم تلجأ الحكومة الى تزوير مليون بطاقة انتخابية ما دام أن مبدأ التزوير وارد وما دام أن معركة التسجيل للإنتخابات البرلمانية التي من المفترض أن تجري قبل نهاية العام الحالي هي معركة موتٍ أو حياة.. كما يعتقد الإخوان المسلمون عندنا هنا في الأردن وكما يتصرفون على هذا الأساس؟!.
لقد قلنا وسنبقى نقول أن «إخواننا» هنا في الأردن لم يرتقوا الى مستوى المسؤولية التي ألقتها هذه المرحلة الخطيرة على عاتقهم وأنهم أيضاً لم يرتقوا الى مستوى مراهنة الولايات المتحدة والغرب عموماً على أن يكونوا بديلاً للظاهرة القومية اليسارية ولظاهرة المقاومة الفلسطينية وغير الفلسطينية ولظاهرة قوى التطرف الإسلامي و»القاعدة» وأيضاً الى مستوى ما يساند ويعزز تجربة إخوانهم في مصر وكل هذا مع ان المفترض أنهم بادروا ومبكراً الى الانتقال الى ما يتلاءم مع متطلبات هذه المرحلة الخطيرة ليصبحوا عند حسن ظن كل الذين راهنوا عليهم والذين ينتظرون منهم بدل هذه النظرة الحزبية الضيقة إعطاء الأولوية للأردن والوطن ولقضاياه الرئيسية .