تحذيرات من "ثورة شعبية" مع تصاعد اﻷزمة السياسية

اخبار البلد 
حذر رؤساء وزراء سابقون وخبراء اقتصاد أردنيون من استمرار حالة انسداد اﻷفق السياسي الذي تمر بالبلاد، مع ما وصفوه "ببطء الإصلاح" وتفاقم الأوضاع المعيشية، مترافقة مع حدوث توتر في العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية مؤخرا، وعودة الحراك الشعبي إلى الشارع، مما عزز تنبؤات رحيل حكومة هي الخامسة خلال نحو عامين.
ويساور مسؤولون أردنيون القلق من تعثر مسار الإصلاح الذي أعلن عنه العاهل الأردني الملك عبدا لله الثاني منذ عام ونصف، مع تجميد ملكي لقرار حكومي أخير برفع أسعار الوقود، دفع بنزول قوى المعارضة إلى الشارع بقوة، مطالبة بإصلاح نظام الحكم وإسقاط الحكومة، في وقت تشهد فيه البلاد إعداد سجلات جديدة للناخبين مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية.
ويستهجن خبراء اقتصاد من استمرار "الهدر" بالإنفاق الحكومي الذي وصل إلى8.5 مليار دينار أردني، وتجاهل فرض سياسة ضريبية عادلة تصاعدية على المستهلكين، وعدم تبدد مخاوف عودة قرار رفع سعر الوقود، كاشتراطات لاتفاقية قرض صندوق النقد الدولي بقيمة 2 مليار دولار أمريكي.
وطالب برلمانيون للمرة اﻷولى الأسبوع الماضي، بإسقاط الحكومة الحالية، التي يرأسها فايزالطراونة، عبر مذكرة رفعوها إلى العاهل الأردني لطلب حجب الثقة عنها، على خلفية جملة قرارات.
ويتصدر، بحسب المسؤولين، قانون الانتخاب الحالي، الذي من المتوقع أن تجرى انتخابات نيابية مبكرة وفقا له نهاية العام، والهدر في النفقات الحكومية، عدا عن عدم الجدية في حسم ملفات فساد أمام القضاء، قائمة عوامل حالة "التأزيم" وإثارة الجدل، التي فجرتها خطوة الحكومة برفع أسعار الوقود.
ومن هنا، لا يتردد رئيس مجلس اﻷعيان الأردني، ورئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري، في حديثه لموقع CNN بالعربية، من التأكيد على "الحالة العصيبة" التي تشهدها البلاد، منبها إلى ضرورة " الاستماع إلى " الشارع" وعدم تجاهله، رغم قناعته بأن قانون الانتخاب الحالي " لايلقى توافقا" فعليا حتى الآن، على حد قوله.
ويرى المصري أن "تجدد حالة الاحتقان" الشعبي، مردها إلى جملة من العوامل من أبرزها "الانقسامات السياسية وغير السياسية"، وتولد رغبة حقيقية لدى الأردنيين بالإصلاح، مع خشيتهم من خروج اﻷحداث عن "سيطرة معينة" أو وقوع "قتال"، خاصة مع ما أسماه "التجاوب الرسمي الأبطأ من الواقع."
وفي السياق يضيف المصري: "إن التجاوب الرسمي والتفهم الحقيقي لحجم التغيير ما يزال أبطأ من واقع الحال. كما أن الاستخفاف بمطالب الشارع خطأ فاحش، وعلى الحكومات وغير الحكومات أن لا تظن أن المشكلة انتهت عندما يضعف الحراك، فهناك رفض يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار."
ووجه المصري، الذي ترأس لجنة للحوار الوطني بتوجيهات ملكية لصياغة قانون للانتخاب لم ير النور، دعوة مفتوحة إلى العمل وفقا لخارطة طريق واضحة، دون محاولة " سحب البساط من تحت أرجل الشعب أو الضغط عليه، و"إسراع السلطة" في البلاد" باتخاذ القرار "الصحيح."
ولم يخف المصري قناعته بعدم قدرة قانون الانتخاب الحالي على تفعيل مبدأ الحكومات البرلمانية، مشيرا إلى محاولات لجنة الحوار بصياغة قانون توافقي لم تأخذ الحكومات به، وقال: " أنا مع إجراء الانتخابات ﻷن تأجيلها سيكون لها تأثيرات كثيرة لا أريد ذكرها."
ويستند قانون الانتخاب الحالي على نظام الصوت الواحد للناخب في شقه الأول، وهو النظام المعمول به منذ عام 1992، أضيف إليه صوت آخر لقائمة وطنية بواقع27 مقعدا في البرلمان ( ليصبح 150 مقعدا بدلا من 120).
بالمقابل، يرى رئيس الوزراء الأسبق أحمد عبيدات، الذي يرأس جبهة معارضة وطنية واسعة التمثيل، أن مخاطبة الحكومات في ظل الوضع الراهن تشكل ضربا من "العبث"، مشيرا إلى ضرورة استماع الملك، رأس الدولة، إلى مطالب الشارع في الإصلاح، محذرا من توجيه "دعوة مجانية لثورة شعبية تحرق الأخضر واليابس."
ويرفض عبيدات، في مقابلة خاصة بموقع CNN بالعربية، الحديث عن حلول قصيرة أو طويلة المدى، في الوقت الذي يتعلق الأمر فيه "بالسلطات الدستورية " للملك.
ويضيف عبيدات قائلا:" القضية لا تتعلق بمدى قصير أو طويل، بل هي قضية مبدأ، فمن العبث مخاطبة الحكومات في ظل السلطات الدستورية التي يمارسها الملك، وما اعتاد عليه الشعب الأردني سواء نجحت المطالبات بالإصلاح أم لم تنجح، فلا بديل عن مخاطبة الملك في المرحلة الراهنة، لأن القضية ليست مرحلة عبور لأسبوع أو أسبوعين، فعلى جلالة الملك أن يقف وقفة صادقة مع النفس."
وعبيدات، الذي اعتبر أن سلمية الحراك الشعبي "تدلل على أنه شعب مسؤول"، استهجن حديث رأس الدولة عن قانون انتخاب عادل ديمقراطي، في حين تفرض حكومات قانونا مغايرا "يهين كرامة الأردنيين في مرحلة دقيقة"، بحسب وصفه.
وأضاف:" عندما يعد رأس الدولة أبناء وطنه بقانون عادل من المستهجن أن تأتي أي حكومة تفرض قانون يهين كرامته الأردنيين.. وتأتي وسائل إعلام لتقول إن من يؤيد القانون هو معنا ومن يرفضه فهو ضدنا ...وعندما يتمسك الشعب بتحقيق الإصلاح فهو يعرف أن ذلك يأتي استمرارا للشرعية، وأن الفساد هو من يقوض النظام مهما كانت ثقته بنفسه."
وحذر عبيدات مما أسماه من " دعوة مجانية لثورة شعبية تحرق الأخضر واليابس"، في حال عبثت أية قرارات بأموال مؤسسة الضمان الاجتماعي، حيث أجرت الحكومة فيها تنقلات داخلية حساسة أثارت مخاوف الأردنيين من العبث بمدخرات نحو مليون مواطن.
وقال:" أن تلك القرارات غير المسؤولة التي تمس لقمة عيش المواطن تستحق الإدانة وتنفي مقولة الملك بأن حرية المواطن هي اﻷمن الأول."
وقاطعت الحركة الإسلامية، القوى المعارضة الأوسع، الانتخابات لسنوات طويلة، إلى جانب تلويح قوى يسارية وقومية وشبابية بالمقاطعة، فيما دعت بعض مطالبات في الشارع السبت الماضي، إلى تخفيض نفقات الديوان الملكي والالتفات إلى الشارع "قبل فوات اﻷوان".
ويشير مراقبون إلى أن العجز في الموازنة قد يتخطى حاجز 3 مليارات، فيما أشارت الحكومة اﻷردنية في وقت سابق، إلى بلوغ الدين العام في نهاية العام إلى أكثر من 65 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل وصول نسبة العجز في الموازنة إلى أكثر من 10 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، ووسط تقديرات بنحو 800 مليون دينار كحجم التهرب الضريبي.
الخبير الاقتصادي، والوزير الأسبق سامر الطويل، حمل الحكومات المتعاقبة تراكم اﻷزمة الاقتصادية في البلاد منذ ظهور الأزمة الاقتصادية العالمية، وتراجع حجم المنح الخارجية والتدفقات الاستثمارية، حتى انكشفت عيوب السياسية الأردنية الاقتصادية.
وفي خطوات عملية يدعو الطويل، عبر موقع CNN بالعربية، إلى التوقف مليا عند الإنفاق الحكومي المتزايد والخلل في السياسة الضريبة وارتفاع كلفة فاتورة الطاقة المحلية، معتبرا أن "هناك حلول آنية من الممكن تطبيقها خلال أشهر."
ويقول: "المطلوب معالجة الخلل الضريبي ونفقات المؤسسات المستقلة والحكومة التي تصل إلى 8.5 مليار دينار، وبهدر مالي يتجاوز 10% ... لو استطعنا تخفيض تلك النفقات فقط بما مقداره 5 %."
ويشدد الطويل أيضا على ضرورة إعادة النظر في ضريبة المبيعات المتعلقة بالوقود، مشيرا إلى أن الضريبة المفروضة على بعض أنواع المحروقات تصل إلى 45 %، معتقدا أن إلغاء الضرائب على المحروقات من شأنه أن ينعكس بارتفاعات "معقولة" على أسعارها في حال رفع الدعم عنها لدى صغار المستهلكين.
وفيما يستبعد الطويل تأثر العملة الأردنية سلبا بجملة العوامل الاقتصادية على المدى المتوسط، أعرب عن تخوفه من بقاء الاعتماد على المنح الخارجية غير اﻷمريكية التي تقدر بـ850 مليون دينار.
من جانبها، شددت رئيس تحرير يومية الغد اﻷردنية، جمانة غنيمات،على أن مفتاح "الحل" على المدى القصير للاحتقان السياسي، هو إعادة فتح النقاش بقانون الانتخاب سياسيا، وتغيير الصوت الواحد، واعتماد صوتين كحد أدنى للناخب في التصويت الفردي، محذرة من رحيل الحكومة الحالية وتشكيل أخرى لتكون الخامسة في غضون عامين.
وتقول: " يجب فتح قانون الانتخاب مجددا وإلغاء الصوت الواحد لثني المعارضة الإسلامية والمعارضة غير التقليدية عن المقاطعة وإحداث انفراج. كما أن هناك معايير في تشكيل الحكومة لا بد من إعادة النظر بها، علاوة على أن ملفات الفساد الكبرى لم تحسم حتى الآن."
وتطرح غنيمات مقترحات عملية لا ترى فيها "حلولا تعجيزية" على المدى القريب والمتوسط على المستوى الاقتصادي، من بينها مزيد من خفض الإنفاق العسكري، وبما لا يقل عن 200 مليون دينار إضافية عن سابقتها، وإلغاء 61 هيئة مستقلة من شأنها أن توفر وفرا ماليا بواقع 500 مليون دينار أردني، وضبط الهدر المالي الحكومي الذي يقدر بنحو 20 في المائة من إجمالي قيمة الموازنة.
وفيما ترجح غنيمات لموقع CNN بالعربية، عودة العمل بقرار رفع أسعار الوقود الذي جمده الملك، كالتزام لقرض صندوق النقد الدولي حتى العام 2015، ترى صعوبة جمة في تطبيق أي برنامج إصلاح اقتصادي مقبل، في ظل" الإبقاء على قانون الضريبة، ودون رفع أسعار التعدين على الشركات الكبرى."
وشهد الأردن موجة غضب شعبي على مدار ثلاثة أيام عقب إعلان الحكومة رفع أسعار الوقود لمرة ثانية منذ تكليفها في نيسان /إبريل الماضي، فيما تلوح قوى معارضة بتفعيل الاحتجاجات في الشارع على ضوء استمرار الاستعصاء السياسي والاقتصادي.
Cnn