حان الوقت لحُبّ الأُردن

عجبت لرد الفعل الكبير على مقالتي الأخيرة «الأردن المجحود» وأشكر كل المعلّقين. سبب العجب انه طالما ان الأردنيين يغارون كل هذه الغيرة على البلد، فلماذا لم نتمكّن من حمايتها وإعلاء شأنها بما تستحقّ ؟؟ إجابة هذا السؤال تحتاج الى صراحة غير مُحتملة. وربمّا استفتاء منهجيّ «مُحايد» يقوم به مركز دراسات مهنيّ، لحين حدوث ذلك أعتقد بأن هناك أسباباً-بل جرائم-ارتكبناها، ضيّعت على الأردن فرصة أن يُشعّ ويزهو متقدماً على كثير من الدول كما يستأهل.

لا شكّ بأن ألأردنيين يعشقون الأردن بما لا يُقاس، ولكن مشكلتنا أننا مثل الأب الأردني: يحبّ أولاده أكثر من روحه، ومُستعد لقطع «لحم أكتافه» لتأمين رغباتهم..لكنه لا يعرف كيف يقول: « كم أحبكّم يا أولادي ! وكم أنتم رائعين « ! بمعنى: أننا لا نعرف كيف نظهر حبنا للأردن ؛ فقليلاً ما تجد أردنياً يُمجّد بلده ويتحدّث عنها- وإن قُتَلَهُ الحنين-على غرار الشقيق المصري الذي يرتجف قلبه لذكر اسم مصر، حتى لو كان تاجر مخدرات !!!

نحبّ الأردن ونعشقه لكن لا نعرف كيف نترجم هذه المشاعر، أو أن نحوّلها لطاقة فاعلة ؛ فالأردني لا يمكن أن يُهزَم في معركة، لكنه لا يعرف أن يُحدّث صديقه عن وادي رم أوالبترا، ويستحي - وكم نستحي - من وصف قريته الصغيرة معتقداّ أن حب الوطن ينبغي أن يكون أكبر من ذلك بكثير..ربما لأن فكر الدولة فكر عروبي، نسينا أو خجلنا أن نتعلم كيف نُحب قُرانا وأزقّتنا الضيقة وشوارعنا الصغيرة... وكما قالت السيدة فيروز العظيمة: «بيقولوا اصغيّر بلدي...

المناهج المدرسية ظلت تتهرّب -حتى عهود قريبة - من ذكر كثير من الرموز الأردنية: الأمكنة والشخوص والأحداث....وأعتقد جازمةً بأننا أقلّ بلد عربي يُركّز على ملامِحِه الخاصة، في مقابل أن مناهجنا ركّزت وفصّلت في شعراء وأمكنة وأحداث حولنا، بعيداً عمّا هو أردني... ولكي لا تخطفنا الأمثلة، فإنني أكتفي بذكر شعر « عرار» مصطفى وهبي التل الذي ضاقت بوطنيّته - بل بعالميّته - وحلاوته كلّ مناهجنا الدراسية...

حتى لا يظنّ أحد بانني ضد العروبة، أقول فقط أن حُبّ الآخرين لا يستقيم دون تعلّم حبّ الذات، وهذا الكلام ليس لي بل هو منطق جمعي معروف.... كم كتب الروائي جابرييل جارسيا ماركيز عن شوارع وأزقة قريته، وعن حارات كولومبيا...وكم سرحنا مع الشاعر بدر شاكر السياب في قريته»جيكور» التي تفاجأ كل من رآها بأنها قرية بسيطة ليس فيها سوى خيط ماء وبضع أشجار جعل منها السيّاب: « غابتا نخيلٍ ساعةَ السَحَر «، أفيكون السيّاب بهذا معادياً للعراق أو للعروبة ؟؟؟

يغيب التاريخ الأردني الحقيقي عن مناهجنا، ويحظر عِوَضاً عنه - تاريخ مُجتزأ مثل مقالة مقصوصة ذهبت زبدتها ولم يبق منها سوى المُجاملات !! رواية مناهج التاريخ لبعض الأحداث، تُشبه رواية بعض «ختيارية « قُرانا عن الكيفية التي صدفوا بها «الذيب» وجرّوه من ذيله ثم سلخوا جلده.. وهكذا... المُصيبة أن عصر المعلومات لم يترك مجالاً للتحريف والكذب ولا حتى بالخيال !! كذبوا وكذبوا حتى نزعوا الدسم من تاريخنا، وتركوا الناس لتجادل بعضها هل الأردن - الذي أشرقت عليه كل شموس الدُنيا-مولود حديث، أم مذكور بكتب التاريخ ومذكّرات الرحالة !!! بالطبع تتوه الهوية ويتوه الشعور الوطني إن لم يتم توجيهه وتغذيته منذ الطفولة الاولى.

علقتُ في فخّ التاريخ.... على حساب الأسباب الأخرى التي مهما كانت دوافعها أقول :» لقد حان الوقت لحُب الأردن «.... وللنزيف صلة.