أسرار قرار رفع الأسعار وتدخل الملك

تدخل الملك المباشر في تجميد قرار رفع اسعار المحروقات جاء لاحتواء ازمة شعبية سياسية كادت ان تعم البلاد بسبب التوقيت الخاطىء للقرار الحكومي الذي اتخذ دون التشاور مع الجهات المعنية.

قرار الحكومة برفع اسعار المحروقات فاجأ الجميع هذه المرة حتى بعض السادة الوزراء، والواقع ان سرعة اتخاذ القرار كان بسبب واضح غير متوقع وهو تأخر المساعدات الاستثنائية، ودخول السنة المالية في الربع الاخير من العام، والحاجة الى توفير مستحقات الرواتب الشهرية، وليس بسبب متطلبات سريعة فرضها صندوق النقد الدولي كما يعتقد البعض.

وهنا اقصد بتاخر المساعدات هي المنح العربية الاستثنائية التي اعتاد الاقتصاد الاردني على تلقيها في السنوات الاخيرة وكان لها الدور الاكبر في انقاذ الاقتصاد الوطني، وساهمت فعليا في استقرار الاقتصاد والمحافظة على الدينار خاصة بعد انقطاع النفط التفضيلي عن المملكة عقب احتلال العراق سنة 2003.
اما المساعدات الاجنبية وخاصة الامريكية البالغة حوالي 650 مليون دولار والاوروبية 120 مليون دولار، فانها مضمونة ومن المرجح ان تتدفق الى الخزينة الشهر المقبل، فقد جرى التوقيع عليها ضمن برنامج مساعدات ثنائية بين الجانبين فلا خوف من عدم قدومها.

الحكومة قدرت المساعدات التي ستاتي للخزينة ب780 مليون دينار، ولغاية الان لم يصلنا سوى 25 مليون دينار وهو مبلغ ضئيل للغاية، والمعلومات الاولية الصادرة عن بعض احاديث المسؤولين في كواليس صالوناتهم، بان شهر ايلول سيكون قاسيا على الخزينة التي ستواجه ضغوطات مالية قد تكون الاخطر في العقد الاخير، ولم يعد خافيا على احد ان وزارة المالية تواجه مأزقا شهريا في توفير اجمالي الرواتب الشهرية للعاملين لديها والبالغة 75 مليون دينار تقريبا في الشهر الواحد، فهناك نقص كبير وتزداد قيمته شهرا بعد شهر.

بدخول الحكومة الشهر التاسع من العام الجاري مع تراجع هائل في تدفق المساعدات، ناهيك عن جمود التدفقات الاستثمارية بسبب تردي الوضع السياسي الاقليمي، وجدت الحكومة نفسها مضطرة لاتخاذ قرار رفع الاسعار لتوفير ما يقارب ال100 مليون دينار اضافي حتى يتسنى لها رصد كامل مخصصات الرواتب التقاعدية والعادية لجميع العاملين في القطاع العام.

هذا وضع خطير للغاية تتعرض له الخزينة العامة، والمؤسف ان الحكومة ممثلة بوزراء الفريق الاقتصادي لا يقدمون اي توضيحات للراي العام، وهو امر يجعل التفسيرات حول الرفع مرنة قد ترتفع سقوفها كثيرا اذا لم تجد التبريرات المنطقية والحقيقية التي توضح للمواطنين اسباب الرفع وموجباته وحالة الاقتصاد الوطني.

سكوت الوزراء عن شرح سياساتهم الاقتصادية وتجاهلهم لاحاديث المواطنين، تزيد من احتقان الشارع ويرفع من مستوى الاستياء العام، المطلوب وبسرعة حوار شامل وصريح لهؤلاء الوزراء لشرح حقيقة ما يواجهه الاقتصاد من تحديات حقيقية تحول دون استقراره، وجولات ميدانية في المحافظات وانجاز الوعود التي قطعتها الحكومة على نفسها في محاربة الفساد وتنمية المحافظات.