الأردن: جرس الإنذار الأحمر قرع بعد إضراب سيارات التاكسي غير المسيس وثلاثة أخطاء فادحة جعلت وزارة الطراونة 'آيلة للسقوط'

لا يمكن لأي رئيس وزراء في بلد مثل الأردن إتخاذ قرار بتعيين ستة موظفين كبار محسوبين على ست شخصيات محورية في مؤسسة الحكم في مناصب عليا بعيدا عن مسابقة وظيفية أو حتى منطق في التعيين دون توقع 'كلفة' سياسية وإجتماعية وجهوية.
ولا يمكنه بكل الأحوال الإطاحة بمدير ناجح لمؤسسة مهمة جدا وحيوية فجأة بعد شهرين فقط من توليه رئاسة الوزراء مستذكرا كيف خذله هذا المدير عندما كان مواطنا عاديا وتوسط لديه لكي يعين أحد مرافقيه عضوا في مجلس إدارة إحدى الشركات الكبرى التابعة لهذه المؤسسة.
ولا يمكن لرئيس وزراء بصرف النظرعن قوته وحاجة النظام له أن يقرر فجأة نشل موظفين من فئة الدرجة الرابعة في وزارة الصحة وتعيينهما معا في مراكز الصف الأول في وزارات أخرى فهذه الخطوة تغضب كثيرين جدا في الإدارة البيروقراطية وفي أوساط الناس والعشائر والنواب.
أحد السياسيين المخضرمين وتعليقا على قفزة إدارية هائلة تمثلت في تعيين موظفين سابقين في وزارة الصحة بمناصب رفيعة إتصل بوزير الصحة الدكتور عبد الرحيم الوريكات مستفسرا: ما دام لديك موظفون بهذا المستوى الإبداعي فكيف تسمح بنقلهما لخارج وزارتك؟
الإستفسار طبعا قصده السخرية من إتجاهات التعيين التي قررها رئيس الوزراء الحالي فايز الطراونة عندما خالف كل قواعد التعيين المألوفة في تقديم وظائف عليا على سبيل الهدية لبعض النافذين في مؤسسة الحكم.
وهي هدايا يعتقد أنها توفر أرضية قوية للإطاحة بحكومة الرجل أكثر حتى من قراره رفع أسعار المحروقات لكن اللافت أكثر أنها قد تطيح معه ببعض من 'جاملهم' في مثل هذه التعيينات المثيرة جدا للجدل.
عمليا لا أحد يستطيع تحديد الخلفيات التي دفعت الطراونة لأخطاء بيروقراطية قاتلة وساذجة إلى حد ما يعتقد أنها ستؤدي لإجهاض خططه في البقاء لأطول فترة ممكنة فمن أرضتهم تعييناته العليا من أشخاص محددين ليسوا بوضع يؤهلهم لإمتصاص غضب من لم ترضهم هذه التعيينات.
وقد أثارت التعيينات العليا في الواقع عاصفة من الجدل لإنها أعلنت دون تنسيق مع مؤسسات أخرى مهمة في الدولة وفي توقيت حساس يتحفز فيه الحراك لإلتقاط أي خطأ رسمي ويهتم فيه الناس بالتفاصيل خصوصا وان صديقا شخصيا للطراونة من القطاع الخاص أصبح بجرة قلم مسؤولا عن أخطر دائرة إستثمارية في الدولة الأردنية وهو هنري عزام المسؤول الجديد لإستثمار مؤسسة الضمان الإجتماعي المؤسسة الأغنى في البلاد والتي تدير مليارات العمال والموظفين والطبقات المسحوقة.
بطبيعة الحال هذه التعيينات أغضبت كثيرين فالمؤسسة الأمنية مثلا لم يكن لها دور فيها ومجلس النواب إعتبرها تعيينات 'جهوية وفئوية وفاسدة' والشارع إعتبرها استفزازية لإنها خارج كل حسابات الشفافية والبعض رأى بان سعي الطراونة لتعيين أحد أبناء مدينته الكرك في منصب إداري مهم تطلب عمليا التغطية بتعيينات مماثلة شملت الوسط والشمال.
لا أحد يريد أن يفهم بأن تقاليد وقوانين اللعبة تغيرت ـ يقول الناشط السياسي محمد الحديد - لكن أخطاء وعثرات الطراونة المبكرة التي قد تطيح به لا تقف عند هذه الحدود فقد لاحظ الفريق الإستشاري العامل بالقصر الملكي مثلا بأن قانون المطبوعات المعدل الجديد الذي أقرته الحكومة مليء بثغرات تشريعية وقانونية مؤسفة يمكنها ببساطة الإطاحة بالقانون بمجرد الإعلان عن تشكيل المحكمة الدستورية.
وزير سابق للمالية طرح أمام صحافيين السؤال التالي : كيف يشتبك هذا الرجل - يقصد الطراونة - مع الإعلام والصحافة بتشريع مسلوق ثم يتجه في اليوم التالي لرفع أسعار المحروقات؟
الحملة كانت شرسة جدا على الطراونة بعد قصة التعيينات وإستغلت قراره غير الشعبي برفع أسعار المحروقات وبعد موجة إحتجاج عاتية تخللها إستنساخ لفكرة الإعتصام المفتوح هتف 89 نائبا في البرلمان أمام الكاميرات لإسقاط الحكومة ثم وجهوا رسالة للملك بالمضمون فلم يعد الرجل من الناحية الأدبية على الأقل شرعيا.
الفئة التي تسببت بإطلاق الإنذار الأمني المبكر ودفعت القصر الملكي للتدخل فورا وتجميد رفع المحروقات كانت تمثل سائقي التاكسي فقد تجمعوا الأحد وأغلقوا شارعا حيويا في عمان العاصمة وهددوا بإغلاق آخر ثم حصل التجاوب الأخطر مع الجيش الأصفر'التكسيات' حيث إنتقل الإحتجاج لسيارات تكسي مدينة الزرقاء.
خطوة الموقف تمثلت في أن سائقي التكسيات ليسوا أخوانا مسلمين وليسوا منظمين وليسوا متأثرين بأجواء الحراك.
إنهم ببساطة شديدة فئة يمكنها شل الحياة تماما في عمان العاصمة بدون أن تكون لها أجندة سياسية أو خارجية..هذا ما قاله تقرير أمني سريع تلي في الديوان الملكي.
لاحقا وبعد قرع جرس الإنذار الأحمر تصرفت مؤسسة القصر فإستمعت لرئيس البرلمان عبد الكريم الدغمي وللطراونة ولاخرين وتقررت الخطوة الصعبة التي تعني بأن ورقة الطراونة أصبحت آيلة للسقوط فقد ألغى الملك قرار رفع المحروقات رغم أن وزير المالية سليمان الحافظ كان يتصل بأحد المسؤولين قائلا: حسنا.. أعطونا البديل فورا.
الإنطباع العام اليوم يقول بأن ثلاث عثرات تسببت بإنعدام الوزن السياسي لحكومة الطراونه مبكرا هي معدل المطبوعات وأسعار المحروقات والأهم التعيينات الفاسدة التي قلصت ما تبقى من مصداقية الدولة.
الرجل لن يستطيع بعد الأن إبلاغ أقرانه بان الكيمياء بينه وبين القصر فعالة وأنه يحظى بالإستحسان دوما.
أحد أشهر وأقسى البوسترات التي يمكن بعد قرائتها مباشرة الإستنتاج بأن الطراونة راحل لا محالة وإستنفد أغراض تعيينه يقول تحت صورة ملونة للرجل: عزيزي دولة رئيس الوزراء.. الكرامه نائمة لعن ألله من أيقطها.