إسلاميو الأردن طرف في معادلة أمريكية .. والبدائل الثلاث :(الفوضى الخلاقة و وصول الإسلامويين وإصلاحات حقيقية)

اخبار البلد : عمان ، 3 تموز ، محمد شريف الجيوسي

اعتبر مراقبون أن مطالبة 89 نائباً أردنيا ؛ الملك الأردني عبد الله الثاني ، بإقالة حكومة د. فايز الطراونة ، وما نقلته وسائل الإعلام من إطلاق بعض النواب هتافات ضد الطراونة .. واتهام بعضهم  له ( صوت وصورة ) بتعيين الأقارب والمحاسيب في مواقع متقدمة ولمجرد أن البعض ( في حاجة ) كل ذلك تم على نحو غير مسبوق في تاريخ الدولة الأردنية، وبخاصة انها أتت من قبل مجلس للنواب قيل الكثير جداً في عدم مشروعيته .

وأتى موقف غالبية النواب بعد نحو 12 ساعة من خروج مظاهرات وعقد اعتصامات في العاصمة عمان ومعظم المدن الأردنية ، وصدور بيان قوي من النقابات المهنية ، حركها كلها بعد فترة من الركود قرار حكومة الطراونة بزيادة أسعار الديزل والبنزين .. للمرة الثانية خلال 3 أشهر في وقت يعاني فيه المواطن الأردني من ضنك وعوز ظاهر ، بالتزامن مع ما حمله شهر رمضان والعيد الذي تلاه من التزامات وبالتزامن مع بدء السنة الدراسية وما تفرض من توفير احتياجات .

لقد كان خروج الشارع الأردني سريعاً وعاما وشاملاً ، وكان سقف التنديد بالحكومة اعلى والتصميم على الاستمرار جدياً ، فرفع أسعار المحروقات يعني ارتفاع سعر كل شيء ، بما في ذلك أكلاف الصناعة والزراعة .

ولقي قرار الملك الأردني السريع بتوجيه الحكومة بتجميد قرارها برفع أسعار مشتقات نفطية ، ترحيباً واضحاً ، لكن مطالبات الشارع الأردني لم تقف عند حد رفع الأسعار ، فهو كان بمثابة المحفز الذي حرك الشارع بعد فترة من النعاس والخمول .. فثمة اتهامات توجه للحكومة وبخاصة رئيسها ،من استغلال موقعه وباتخاذ قرارات خاطئة تتعلق بمؤسسة الضمان الاجتماعي التي تعتبر الركيزة الأساسية لتوفير السيولة والاستثمار ، أو أحد أهم مرتزات الاقتصاد الأردني .

ويلعب إخوان الأردن دوراً تحريكيا مهما ودقيقا وخطيراً ، بعد أن تريثوا بعض وقت بانتظار ما ستسفر عنه الأحداث في سورية ، حيث يقوم إخوان الأردن وفلسطين ( ممثلة بحماس ) بدور  تنسيقي وداعم كبير لإسلاموي سورية في إطار صفقة عقدت مع الأمريكان تتضمن حزمة متكاملة أردنية فلسطينية سورية ، يشارك فيها وهابيون وقاعديون ، لكن التراجع الذي تشهده المؤامرة على سورية ، جعلت من التريث بالنسبة لإسلامويي الأردن مضيعة للوقت ؛ من وجهة نظرهم ، فكان القرار الغبي الذي اتخذته حكومة الطراونة بزيادة الأسعار ، بمثابة الفرصة التي أعطتهم مبرر العودة للشارع بقوة ،ومحاولة الإيحاء بانهم وحدهم من يملكون القدرة على تحريكه في الشأن المحلي .

ومنتهزين ( سنة العسل ) مع الأمريكان .. الذين يضغطون بأكثر من وسيلة لأجل دور وشراكة إخوانية في الأردن بالتزامن مع حلول حماس بالتحالف مع ليبراليين أمريكان واوروبيين ( على غرار مجلس استانبول ) في السلطة الفلسطينية ، وإخراج فتح وحلفائها غالباً أو تحجيم دورهم، بحيث يكون الإسلامويون في رام الله وعمان،ما يمنح المشروع الأمريكي " الإسرائيلي " فرصة تطبيق سلس ، برائحة إسلاموية .      

وقد لاحظ العضو السابق في جماعة إخوان الأردن ؛ وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال ؛ الناطق الرسمي باسم الحكومة ، ذلك ، فأكد في تصريح صحفي اليوم ، بأن الإخوان يسعون لإعادة تشكيل النظام في الأردن من جديد". وأضاف أن "نجاح إجراء الانتخابات البرلمانية المتوقع إجراؤها في نهاية العام الحالي ليس من مصلحة الإسلاميين بل إن فشل هذه الانتخابات يخدمهم" .

وقال أن الإسلاميين يطالبون بشكل واضح بإجراء تعديلات دستورية تمس صلاحيات الملك (عبد الله الثاني)" وان هذا هو السبب الرئيس لإعلان الإسلاميين مقاطعتهم للانتخابات البرلمانية المقبلة وليس معارضتهم لقانون الانتخابات". معتبراً أن المساس بصلاحيات الملك يعني  إعادة تشكيل النظام السياسي في البلاد" وان المساس بصلاحيات ومكانة  "الملك (عبد الله الثاني) مسألة غير قابلة للمس".

وتتطابق هذه المطالبات مع رؤية أمريكية تسهل لها بذريعة الحرية والديمقراطية تنفيذ مشروعها الاستراتيجي في المنطقة على حساب جوهر القضية الفلسطينية ، ولجهة استبدال الصراع بعداء آخر عربي إيراني وسني شيعي ، ما يريح الكيان الصهيوني ويتيح للغرب السيطرة على مقدرات الأمة ثروات وممرات وأسواقا وثقافة وإرادات .

وتسود الشارع الأردني سيناريوهات كثيرة عن رئيس الحكومة المقبل،حد ترشيح الأمير الحسن بن طلال ( عم الملك ) رئيساً للحكومة،رغم أن ذلك فضلاً عن كونه غير مسبوق ، يتعارض مع جوهر الدستور الأردني الذي لا يبيح لأفراد الأسرة المالكة تولي مناصب تنفيذية او تشريعية.

وتدوولت أسماء لتشكيل حكومة جديدة ، حيث اعتبرت الحكومة الحالية في حكم المستقيلة أو المقالة ـ  من هذه الأسماء عبد الكريم الكباريتي ( رئيس الوزراء الأسبق ورئيس الديوان الملكي الأسبق ـ رئيس مجلس إدارة البنك الأردني الكويتي حاليا ومنذ أكثر من 10 سنوات) وهو على علاقات طيبة مع الخلايجة وبخاصة الكويت .

كما يجري تداول اسم طاهر المصري رئيس مجلس الأعيان حالياً ، شبه المعتكف منذ أسابيع ، رئيس الوزراء والنواب الأسبق .. ويعتبر شخصية عير خلافية وتنحو نحو إحداث إصلاحات.      

كما يجري تداول أسماء من مثل عبد الهادي المجالي ( رئيس مجلس النواب السابق) د. عوض خليفات ( وزير الداخلية الأسبق ) فايز اللوزي ( رئيس الديوان الملكي الأسبق ) السياسي المخضرم مروان دودين .  

لكن من غير المرجح إتخاذ قرارات بإقالة او قبول استقالة حكومة الطراونة قبل 20 الجاري ، موعد إنتهاء التسجيل للإنتخابات النيابية ، حيث سيتضح من خلال أعداد المسجلين للإنتخابات ، هل ستجري في موعدها قبل نهاية العام الجاري أو تأجيلها ، فإذا كانت الأعداد مناسبة ، حُل مجلس النواب والحكومة بالتزامن وفق الدستور المعدل .. وإلا فإن الحكومة ستقال ويبقى مجلس النواب وتؤجل الانتخابات إلى الربيع المقبل مثلا.

ومن المحتمل تمديد فترة التسجيل حتى 17 تشرين أول المقبل ، لكن هذا التأجيل يعني غالباً عقد صفقة لقاء تعديلات محددة تريدها القوى السياسية وبخاصة الإسلامويين .

لكن المؤكد أن حكومة الطراونة الأكثر محافظة وتشدداً ، حفرت قبرها بنفسها ، في عدم تفهمها للظرف السياسي للأردن والمنطقة معاً، حد المغامرة والغباء والمراهنة على استسلام الأردنيين، متجاهلة ان الظرف السياسي ووجود تباينات سياسية للقوى الحية في فهم مسائل مركزية، أجل حراكات الشارع نسبياً، إضافة لانتظار الإسلامويين الأردنيين مسار الأحداث في سورية ، لتأتي الحكومة فتأجج الاحتقانات وتنعش الشارع على نحو غير مسبوق ، إلى حد أن النواب المرفوضين شارعياً ، وجدوها فرصة للإنقلاب على الحكومة فرحيل الحكومة مبكراً مع عدم الإقبال على التسجيل للإنتخبات يعني بقاءهم لفترة أطول ولو لشهور على الإقل .       

كما يعني صعود الشارع الأردني أنه لم يعد من مستقبل لهكذا حكومات محافظة جداً ، غير معنية بنبض الشارع وحراكه واحتقاناته وتعمل ما في رأسها وجعبتها وأجندتها دون أي اعتبار لأي شيء آخر .  

وكانت قد سُربت قبل نحو شهرين ( إشاعات ) تقول بأن شهر أيلول سيكون ساخناً في الأردن دون تحديد تفاصيل، ومن هنا فثمة ما يستدعي القلق من أن تكون أياد خارجية تحاول العبث بأمن الأردن واستقراره على طريق صعود الإسلامويين ، إن لم يكن انتخابياً فبتسخين الشارع بدعاوى الديمقراطية والحريات العامة، فيما الأمر يتعلق بما هو أكثر من ذلك ، تولي إسلامويي فلسطين المحتلة السلطة لتنفيذ صفقة تريح الصهاينة بالتزامن مع صعود إسلامويي الأردن ، وقسره بالتالي من خلال هذا الصعود إلى ممارسة دور مباشر ومفتوح وغير محدد بسقف أو تحفظ ضد سورية بقيادة سعودية قطرية وتنفيذ إسلاموي اردني سوري .

من هنا لا ينبغي النظر بكثير من الأمل والمراهنة على حراك الشارع الأردني لجهة النتائج البعيدة لهذا الحراك ومحاولات اختطافه وتجيير نتائجه بدعم وتدخل أمريكي مباشر ، لصالح فريق إسلامويي دون غيره من قوى سياسية أردنية، قومية ويسارية ووسطية ، وهو الاختطاف الذي رأينا تعبيراته ماثلة في مصر والنتائج التالية له ، حيث جرى اختطاف التضحيات التي قدمتها القوى المصرية القومية واليسارية ، وتحويل ثمارها للإسلاميين وتسييدهم ، الأمر الذي ينذر بأحداث جسام هناك .   

إن الخلايجة غالباً لا يعنيهم من امر الأردن شيئاً ، إلا أن ينضوي تحت إرادتهم بفتات موائدهم ، حتى لو كان مآل ذلك التضحية به ، ولا يحتاج الوصول إلى هذه النتيجة كثير فذلكة ، فالأمور واضحة للعيان على الأرض . والإسلاميون لا يعنيهم حتى امرهم بالمعنى الاستراتيجي إلى الوصول إلى الحكم الآن ؛ الآن حتى لو كان على بنى مدمرة وقبور عامرة . فشهوة الحكم طاغية حتى الحمق والخروج على أساسيات الإيمان .

من هنا يرى مراقبون أنه لا ينبغي بحال المراهنة على حال من الفوضى ( الخلاقة ) قد تجدّ في الأردن،ولا في آن معايشة القبور في الصمت والسلبية ولطم الخدود. لا بد من نظرة استراتيجية محكمة، تخرج  الأردن من ضائقة الفوضى الخلاقة ، التي إن حصلت تأخذ البلاد والعباد إلى حيث لا أحد (يدري)،نظرة تخرج البلاد من حال معايشة واقع مريض فيه الكثير من الفساد والهدر والتبعية للغرب ومهادنة الأعداء الذين لا يريدون لهذا البلد ولكل العرب إلا ان يكونوا مشتتين متعادين منهكي القوى مسلوبي الإرادة ثرواتهم ليست لهم وبأسهم بينهم و" حرام على بلابلهم الدوح حلال للطير من كل جنس " ..

من هنا لا أحد في الأردن متفائل من خطوة إيجابية هنا وأخرى هناك ، لا بد لإصلاح الأمر والحيلولة دون استمرار  متناقضين متكاملين ( الفوضى الخلاقة والوضع المتردي الراهن) من إصلاحات جوهرية، لا تتيح فرض إرادات خارجية من خلال تعبيرات داخلية تستقوي بالخارج ، ولا باستمرار القوى المحافظة والتقليدية وقوى الشد العكسي التي باتت عبئاً على الدولة والناس ، والمطعمة بطبقة ليبراليين جدداً ولاؤها للخارج. دون ذلك الطريق مفتوحة أمام الفوضى الخلاقة والإسلامويين والمشروع الأمريكي على حساب الأردن والقضية الفلسطينية