الناجحون والمحظوظون

ليسوا سواء ، وان كانوا متشابهين في أصل الخلقة والملامح ، وأن لهم أب وأم ، ويقومون بنفس العمليات البيولوجية ، ويجري عليهم ما يجري على البشر .

إلا أنهم مختلفون في معظم الأشياء ، ابتداء بالتفاصيل الصغيرة والتي قد لا تثير الاهتمام ولا يلتفت إليها أحد ، إلى أعظم الأشياء وأهمها ، وما بينها من أمور تتفاوت في أهميتها .

فالمجموعة الأولى من البشر ( الناجحون ) كانت طفولتهم مختلفة . فمنتهى أمل أحدهم أن يتمكن من صناعة كرة ( شرايط ) من جرابات وقطع قماش قديمة ، يلعبون بها في الحواري والشوارع حفاة ، فالأحذية للمدارس والأعياد والمناسبات الهامة جدا . كثيرا ما يذهب إلى المدرسة دون مصروف ، بل لهذه الكلمة عندهم معنى آخر . يتداور الأخوة على لبس ملابس بعضهم ويتم تدويرها بينهم . وملابسه الجديدة من محلات الملابس المستعملة والأسواق الشعبية . لا يوجد وجبات غذائية منتظمة ، فعندما يجوع أحدهم يتوجه لمكان حفظ الخبز ويتناول قطعة ويأكل معها أي شيء يجده وقد لا يجد شيئا فيتوكل على الله .

ولأنه يدرك ظروفه جيدا وليس أمامه من الملهيات والمرفّهات ، فانه ينكبّ على الدراسة ، سعيا للنجاح والتفوق ليتمكن من تحسين مستواه وأهله ، وامتثالا لنصائح الكبار بأن من جد وجد ومن زرع حصد . ولأنه لا مفر له إلا النجاح بل التفوق ، يواصل الليل بالنهار ، فيتفوق ويحصل على منحة ليدرس تخصصا عاديا وعند تخرجه يسعى للحصول على أي وظيفة تدر عليه دخلا .

أما المجموعة الثانية من البشر ــــ أيضا ـــ ( المحظوظون ) فان حياتهم مختلفة جدا من لحظة الولادة بل ما قبلها إلى ما شاء الله فمماتهم مختلف كما حياتهم . إلا انه لا يهمهم التفوق ولا يسعون إليه . المهم النجاح أي نجاح والشهادة أي شهادة .فمكانه محجوز حتى قبل تخرجه ، يتناسب مع مؤهلاته وإمكاناته ، فالمؤسسات والوزارات والشركات تنتظر قدراته الفذة وعبقريته النادرة ، ليس أقلها مدير عام . ويبقى يتنقل من مكان لآخر فتحل بركته أنّى حل .

ولا تزال المجموعة الأولى زبائن لمحلات الملابس المستعملة ، ويبحثون من بداية الشهر عن دائنين ، ويجتهدون وينجحون ويورثون لأبنائهم فقرهم وديونهم وأمراضهم وخيباتهم ووظائفهم . وهكذا فان درهم حظ خير من قنطار تفوق . والّي ما له (حظ ) ما يتعب ولا يشقى . فقد جدّ و سواه حصد .