الكاتب القومي فهد الريماوي يكتب : شريعة الذبح وثقافة السكاكين !!


يا للفجيعة والفظاعة، فقد حضر سفراء الطاعون وبات الذبح سيد المرحلة، واصبح الساطور هو الرمز والراية والعنوان، وحق للابدان ان تقشعر وللابصار ان تتقزز وللضمائر ان تهتز بشدة·
ورغم ان هذه الحقبة العربية المضطربة تحفل بالكثير من الغرائب والعجائب والمفاجآت والمستجدات، الا ان ظاهرة الذبح بالسكاكين والسواطير والحراب المسنونة قد ارخت سدولها، وفرضت طقوسها على مساحة الوطن العربي، والعقل العربي، والربيع العربي الذي بات مرتعاً - بكل اسف - لذئاب التحالف المشؤوم بين الفاشية الامريكية والهمجية الوهابية·
هذا الاوان بات الذبح ثقافة وشريعة وعادة يومية، وربما عقيدة جديدة وفريدة لا سابق لها في تاريخ الثورات والانقلابات والانتفاضات والاحترابات العربية المعاصرة، التي وان شهدت الكثير من العنف والدم والاقتتال والاغتيال، الا انها لم تعرف قط مثل هذا النوع الوحشي والهمجي من اعمال البطش والاجرام والانتقام·
بين عشية وضحاها غصت الساحات العربية بآلاف الجزارين والذباحين وفقهاء النحر وحز الرقاب، وجز الرؤوس، وقطع الاعناق الذين يمارسون هذه الفظائع دون رحمة او شفقة، وبكل بساطة وبرود اعصاب، وبلا تحقيق وتدقيق ومحاكمات، وعلى مرأى ومسمع من العالم اجمع بعدما تولت فضائيات الفتنة ترويج وتبرير هذا النمط البشع من القتل، وافردت مساحات بث واسعة لتشجيع وتلميع دعاته من التكفيريين والمتمذهبين المتعصبين المتخرجين من اكاديمية "العرعور" المسعور·
من اين طفر كل هؤلاء الجزارين المهووسين بالسكاكين، والممسوسين بالشياطين الذين ملأوا ديارنا نحراً وذبحاً وقطفاً للرؤوس الآدمية ؟؟ هل هم بعض صادرات العوسج والحنظل والقتاد التي سبق ان انتجتها قريحة ابي الاعلى المودودي، وتابعتها زمر الهرطقات الباكستانية والطالبانية المتخلفة ؟؟ ام هي زرع وهابي نبت في صحراء ابي جهل، وارتوى من آبار النفط، وترعرع في كنف الفضائيات المشبوهة التي حولت الظواهري والزرقاوي والقرضاوي وابن لادن وابو قتادة الى نجوم واعلام وأئمة جهاد واجتهاد ؟؟
كلنا يعرف مفاعيل هذا التحالف الملعون بين النفط والجهل في بلدان الخليج العربي، ويدرك الكثير من اخطاره واضراره على مجمل الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية العربية، ويعلم بالملموس حجم التخريب الفادح الذي اوقعه ذلك التحالف في خرائط الوعي والخلق والضمير والذوق العربي·· ولكننا لم نكن نحسب او نتصور ان يطلع علينا تحالف النفط والجهل بمثل هذه النماذج التتارية الشوهاء، والمشحونة بالعاهات العقلية والعقد النفسية، والمفتونة بشهوة الذبح والخطف والتفجير والتعذيب والاغتصاب، والمستهينة بابسط القيم الروحية، والحقوق الانسانية، والشرائع والقوانين الدينية والدنيوية·
اية ايادٍ هذه التي تمارس، دون ان ترتجف، حز رقاب البشر كما لو انهم سرباً من الغنم ؟؟ واية قلوب هذه التي تتقبل مثل هكذا فظائع ومذابح دون ان تنخلع من الصدور ؟؟ واية نفوس هذه التي تستعذب مثل هذه الموبقات الشنعاء، دون ان تطفح بمشاعر الاشمئزاز والقرف والغثيان ؟؟ واية تعبئة معنوية وافكار جهنمية، تلك التي تحول الانسان العادي الى جزار بشري مهمته الذبح والسلخ وتقطيع الاوصال ؟؟
اي مستقبل بائس ينتظر امتنا العربية ان فشت وتكاثرت عصابات النحر، وان اتسعت وانتشرت ثقافة السكاكين والسواطير، وان تعاظم شأن دعوات التمذهب والتكفير، ودعاة الدجل الوهابي والفعل الارهابي الذين باشروا مذابحهم في الجزائر خلال عقد التسعينات، ثم نقلوها بتوسع الى العراق بعد سقوط نظام الرئيس صدام، وها هم يقترفونها اليوم في ليبيا وتونس وسيناء، وشمال سوريا ؟؟
سؤال برسم الاجابة عنه من سائر المثقفين العرب الحريصين على المستقبل العربي، والمصير العربي، والعقل العربي، وحقوق الانسان العربي·· فالخطر داهم، والتحدي كبير، والاسوأ ما زال في الطريق الينا ما لم نُعْلِ راية النضال على جبهة الفكر والفقه والثقافة، ونضئ للناس دروب الحق والحقيقة والصواب، ونبعدهم عن خرافات وخزعبلات "الحشاشين الجدد" الذين ينسبون للدين الحنيف ما ليس فيه، ويسيئون اليه اكثر من الدّ اعدائه، ويمارسون الاجرام الفادح والتنكيل الفاضح باسم السلف الصالح·
لا حيدة ولا مهادنة بين التنويريين والظلاميين·· بين المتحضرين والعرعوريين·· بين دعاة المحبة وابواق الفتنة·· بين انصار الحرية والعدل وحقوق الانسان، وبين زعران السنج والسيوف والسواطير والحراب البلهاء·· بين اصحاب النفوس المرهفة والشفوقة التي تتأذى من دهس قطة او ذبح عصفور، وبين غلاظ القلوب وطلاب الموت الزؤام·· موتهم بوهم الجهاد والاستشهاد، وموت خصومهم بتهم الكفر والردة والالحاد·
لا اهمية هنا للخلافات السياسية والايديولوجية بين المثقفين الراغبين في التصدي لشريعة الغاب وجماعات الحشاشين الجدد، اذ يستطيع اي مثقف ان يحتفظ لنفسه بآرائه ومواقفه الخاصة، رغم انخراطه، مع المخالفين له، في مواجهة الزحف الارهابي والوهابي القادم من عصور الانحطاط·· ذلك لان المعركة هنا حداثية وثقافية وروحية وحضارية شاملة تهم الجميع، وترتبط بالمصير العربي العام، وليست سياسية او حزبية او طبقية تهم فريقاً دون غيره، وتحظى بعناية فئة او جماعة او طبقة دون اخرى·
وعليه، فليس لهذه القطعان السائبة من قضية وطنية او دينية، وليس في مقدورها الارتقاء الى مستوى النضال الثوري المعروف والمتعارف عليه، ولا يمكن لها ان تشكل بديلاً عصرياً وديموقراطياً لاسوأ نظام عربي قائم، نظراً لانها قطعان من الذئاب العدمية والغيبية والفوضوية المتعطشة للدم، والمتلهفة على الذبح والقتل، والمغرقة في التخلف والجهل، والبعيدة كل البعد عن الخطط والبرامج والاستراتيجيات السياسية والاقتصادية والادارية والعسكرية المنسجمة مع روح العصر·
ولعل الوظيفة الوحيدة التي تستطيع هذه القطعان اداءها والنهوض بها، وفقاً للمخططات الامريكية والصهيونية، هي تخريب الوطن العربي، واستنزاف قدراته المادية وطاقاته المعنوية وقواه العسكرية، ونقل الصراع العربي - الاسرائيلي الى عمق البيت العربي، واعفاء العدو الصهيوني بالتالي من مهمات المواجهة والاستنفار الدائم·· والا لما وقف حلف الناتو معهم بالامس في مواجهة نظام القذافي، وتقف قطر وتركيا والسعودية معهم اليوم في مواجهة نظام الاسد·