ذروة الابتزاز و«البلطجة»

الإبتزاز الإسرائيلي للدولة الأعظم، يبلغ ذروته هذه الأيام، وهو مرشح للتزايد كلما اقتربنا من موعد الإنتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر القادم...إذ بالرغم من كل ما قدمته إدارة أوباما من وعود وتعهدات بمنع انضمام إيران لنادي الدول النووية، وبرغم السلاح المتطور الذي منحته بلا حدود لإسرائيل، من قبة حديدية ودرع صاروخية، إلى المستودعات السرية المكدسة بالقنابل الذكية من "أثقل العيارات”، وبرغم طائرات "الإف 35” التي ستدخل الخدمة في "جيش الدفاع الإسرائيلي” قريباً...برغم كل هذا وذاك، والكثير غيره، فإن إسرائيل ما زالت "غير مطمئنة”، ونتنياهو لا يرى أن إدارة أوباما فعلت ما يكفي للحؤول ما بين إيران و”القنبلة”، ومسلسل "الإبتزاز” ما زال مستمراً، ليبلغ ضفاف "البلطجة” و”الزعرنة”.

خلال الأيام القليلة الفائتة، نشرت صحف إسرائيل التي لا يشغلها هذه الأيام تقريباً سوى "الضربة لإيران”، معلومات عن اللقاءات العاصفة بين نتنياهو ودان شابيرو، صورة أخرى من صور الإبتزاز...لكأن ليس لواشنطن من وظيفة سوى "تبديد الهواجس الوجودية” المبثوثة في الذهينة والنفسية الإسرائيلية...مثل هذه التقارير تكاد تصلح لوصف معظم اللقاءات الأمريكية – الإسرائيلية في الآونة الأخيرة، وهي صالحة أيضاً لوصف اللقاء المرتقب بين نتنياهو وأوباما.

لقد طفح الكيل برئيس هيئة الأركان المشتركة للجيوش الأمريكية الذي عبر عن "عدم استعداده” للإلتحاق بإسرائيل إن هي قررت توجيه ضربة منفردة لإيران...قواته ليست جاهزة للإنخراط في حرب تقررها إسرائيل من جانب واحد...وهذه أول مرة يخرج فيها تصريح للعلن، وعلى لسان أرفع مسؤول عسكري أمريكي، يعلن رفض واشنطن الإنخراط في حرب مفروضة عليها، ولم تحدد هي، زمانها ومكانها وأهدافها.

هي صدمة ولا شك، لنتنياهو وباراك اللذان يقودان عمليات التعبئة والتحريض والتحضير للحرب القادمة، وقد صدرت عن عواصم وقيادات أوروبية غير مشكوك في "صداقتها العميقة” لإسرائيل، ترفض الضربة المنفردة وتحذر منها (أنجيلا ميريكل)، وتنضم إلى الحنرال ديمبسي في القول بأنها ستقوض الجهود الدولية المنسقة لعزل إيران وفرض أطواق محكمة وصارمة من العقوبات الفعالة عليها.

نتنياهو إذن يخفق في إقناع أقرب حلفاء إسرائيل وداعميها في "تغطية” المغامرة العسكرية التي يبدو متحمساً للإقدام عليها ضد إيران...وهو كان أخفق في إقناع المستويين الأمني والعسكري في إسرائيل لمجاراته في مجازفته المجنونة تلك، ولقد تعرض لضربة سياسية ومعنوية من شمعون بيريز، رئيس الدولة، الذي شكك بقدرة إسرائيل على إلحاق ضرر حقيقي ببرنامج إيران النووي من دون دعم واشنطن وانخراطها.

لكنه – نتنياهو – مع ذلك، لا ييأس ولا يستسلم...وهو مصرٌ على مواصلة سياسة الإبتزاز التي يعتمدها في تعامله مع إدارة أوباما...وهي سياسة أعطت أكلاً "عظيمة” حتى الآن، والمرجح أن تعطي أكلاً "عظيمة” أخرى، كلما تقلصت الفجوة الفاصلة ما بين أوباما ورومني في السباق على البيت الأبيض.

تكتيك نتنياهو الأخير، يقوم على انتزاع التزام علني ورسمي، مجدول زمنياً، من رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، يقضي بالتزام الدولة الأعظم بالذهاب إلى حرب مع إيران، إن أخفقت مفاوضاتها مع مجموعة (5 + 1)، ومن ضمن مهلة زمنية لا تصل في حدها الأقصى نهاية العام الجاري...هو يريد أن ينتزع قرار الحرب المُلزِم لأوباما أو رومني، أيهم كان الفائز في الإنتخابات، وإلا فإنه سيتصرف منفرداً وسيذهب إلى الحرب لوحده، مُحملاً أوباما أوزار ما قد يلحق بـ”اليهود” من "هولوكوست” عاجل أو مُرجئ.

لا أحد في العالم يفعل شيئاً مماثلاً لما يفعله نتنياهو...وما من دولة في العالم تتصرف على طريقة أبناء الأغنياء والمسؤولين الفاسدين الذين لا يكفون عن ارتكاب الحماقات وخلق المتاعب لذويهم، بسبب سوء تربيتهم من جهة، وإيمانهم بالعميق بأنهم فوق القانون وأن يد العدالة لن تطالهم من جهة ثانية.

لا ندري إن كان "ديمبسي” سيصمد على موقفه، وما إذا كانت مواقفه تلك تعبر عن "سياسة” أمريكية صارمة، أم أننا سنرى قريباً تراجعاً مُذلاً عن هذه المواقف كما حصل في مرات عديدة سابقة، وبصورة أهدرت كرامة وهيبة الدولة الأعظم، إن كان في السياسة من قيمة لمفاهيم أخلاقية من نوع "الكرامة” و”الهيبة”.