أزمة لا تنفرج ولا تنفجر!

لم تنفرج هذه الأزمة منذ عام ونصف، بل تفاقمت، وأصبح من الصعب فك الاشتباك بين المحلي والاقليمي والدولي، وليس هناك في الأفق ما يبشر بالانفراج أو ينذر بالانفجار الحاسم. والأرجح أن الرّهان على اسقاط النظام في دمشق لم يكن قد أطال أمد هذا الاسقاط لأكثر من بضعة أشهر أو لعام على الأكثر، لأن ما يتعلق بالموقفين الروسي والصيني وسلاح الفيتو الذي يملكانه كان الشائع عربياً أن لكل منهما تسعيرة سياسية أو اقتصادية، فموسكو تخلت عن العراق وبمعنى أدق باعته لأمريكا بأربعة مليارات دولار فقط، وهذا الرقم ذكره طارق عزيز في أكثر من مناسبة ومن هذه المناسبات الحوار الذي أجريته معه ونشر في الدستور.

وتكرر الموقف في ليبيا، إذ سرعان ما أصبح الموقف الروسي شديد المرونة والمرونة تفضي بالضرورة الى طواعية وانتهى المشهد في طرابلس الى ما انتهى اليه.

فهل اختلف الأمر هذه المرة بحيث تسلم الجرّة كما يقال، لأن روسيا والصين تجاوزتا مرحلة المقايضة والصفقات وأصبحتا تدافعان عن نفسيهما بمعنى ما أو من آخر مرابط خيولهما بمعنى آخر. وثمة من العرب من لا يدهشهم موقف موسكو من دمشق بقدر ما يدهشهم استمرار هذا الموقف وبصلابة، لأن المتوالية الكلاسيكية لمواقف روسيا في العقود القليلة الماضية كانت تنتقل برشاقة وليس كما يقال ببطء الدّب من الاستراتيجي الى التكتيكي أو العكس، ما دامت المصالح هي المعيار المطلق الذي يتم الاحتكام عليه، فالسياسة لا مكان فيها لصداقة أو عواطف أو وفاء، وعلى من يجازف بالعمل فيها كما قال جان بول سارتر أن يتحمل القذارة سواء علقت بأصابعه أو بضميره.

ورغم ان الحراك في تونس ومصر وليبيا حقق أهدافه الا أن ما لم يتحقق هو تعميم الفترة الزمنية لاسقاط نظم سياسية، فثمة من أسقط في أقل من شهر مقابل من بقي حتى الآن على قيد السلطة رغم مرور ما يقارب العامين!

وأسوأ ما هو شائع الآن من أطروحات حول الأزمة السورية هو أن يطالب الفرد بأن يكون مع هذا الطرف أو ذاك. ورغم ان المعارضة السورية الداخلية تواصل اصرارها على عدم التدخل الأجنبي والمقصود به بلا لف ودوران هو الناتو.

لقد حرمتنا الثنائيات السياسية والفكرية في هذا العقل السياسي المشطور بشعرة أفلاطون كالبيضة المسلوقة الى نصفين من أي بعد ثالث.

وثمة مثالان على الأقل في هذا السياق أولهما يتعلق بالعراق الذي وصف من كان ضد احتلاله بممالأة النظام على حساب الشعب، والمثال الثاني في مصر عندما فرّق بعض المثقفين بين اسقاط الدولة وتفكيكها وبين النظام، فاسقاط الدولة معناه التورط بفوضى تدمير كل شيء، وفي عالمنا الثالث عشر هذا وليس الثالث كما يسمونه ليس النظام مجرد شعرة سقطت في طبق الحساء، انه يتغلغل في نسيج الدولة خصوصاً اذا استمر لاكثر من ثلاثة عقود.

الأزمة السورية لا يلوح في الآفاق شبه المسدودة أنها وشيكة الانفراج كما أن الانفجار الحاسم لا يبدو قريباً.. لهذا فالنزيف لن يتوقف وكأن سورية الآن ضحية أصدقائها وأعدائها معا!.