الحسن... نِعْمَ الإختيار


إن تكليف جلالة الملك عبدالله لعمه سمو الأمير الحسن لرئاسة وفد الأردن لمؤتمر قمة دول عدم الإنحياز الذي سيعقد في طهران, جاء بمثابة تكليف مفاجئ وسار ومبهج للأردنيين. فرئاسة سموه للوفد الأردني باعتقادنا تحمل من الدلالات والرسائل الملكية الكثير للداخل والخارج. وللحقيقة, جلالته والوطن يستحقان أكثر منأي وقت مضى من هو أهل للمشورة والخبير الصادق لنقل الصورة كاملة غير مجتزأة خصوصا في هذه المرحلة من مسيرة الوطن التي كثر بها المعرقلون والناقمون الحاقدون. وهي مرحلة جعلت من البحث عن الصدق والغيرة على الوطن فرض عين.
المؤتمرعالمي وهام عدد أعضائه يفوق نصف عدد دول العالم جميعها أجمعت على تأييد السلامة الإقليمية للدول, والسيادة، وحق تقرير المصير ؛ ومعارضة الفصل العنصري، وعدم الانتماء للأحلاف العسكرية ، والاستقلال الوطني, والإبتعاد عن التكتلات والصراعات بين الدول الكبرى وغيرها من المبادئ النبيلة التي تجسد الإبتعاد عن الأحلاف الإمبريالية التي تقوم على التدخل بشؤون الدول لفرض هيمنتها عليها والإستحواذ على خيراتها.
وما مرتكز دول عدم الإنحياز إلا عدم الدخول بتكتلات عالمية استعمارية هدفها تأجيج الموقف وتوتير المشهد السياسي والعسكري لتغليب جهة على الأخرى لصالح القوى الإستعمارية المتغطرسة. لكن ذلك الإطار العام للدول الأعضاء لم يمنع بعض الدول الصغيرة من الخروج على هذه المبادئ لتنحياز وتعمل وتضع ثقلها المادي والبترولي لخدمة الدول المنحازة لأطماعها. ويأتي ذلك تنفيذا لدورها كأداة تستخدم من قبل القوى الكبرى أو بحثا عن دور تطمح للعبه على مستوى المنطقة والإقليم.
يأتي انعقاد المؤتمر في ظرف غاية في الحساسية والتجاذب السياسي والتكتل المصلحي والإهتزازات الإقتصادية خصوصا في منطقة الشرق الأوسط. فعندنا سوريا التي تنام وتصحو على القتل والتدمير والتشريد والنزوح واللجوء, والأردن المتأثر الأكبر بهذا كله كمضيف للاجئين حيث ضيافتهم أصبحت تفوق إمكانياتنا مما يستدعي وعلى عجل دعم الأردن ماديا وعينيا حتى يستطيع تأدية واجبه الإنساني والأخوي ويتمكن من تخفيف وطأة العبئ الكبير الذي نتج بسبب الأعداد الكبيرة اللاجئة بحثا عن الأمن والأمان في بلد قدره أن يكون مركزا لدائرة ملتهبة تهدأ لتعود وتلتهب ثانية.
وهذه الأعداد بحاجة للخدمات الصحية من مراكز صحية ومستشفيات وأدوية, والتعليمية من جامعات ومدارس, والمياه التي يفتقر لها الأردن, والمواد الإستهلاكية ووسائل المواصلات المثقلة بها شوارعنا بالإضافة للبنية التحتية التي تحتاجها مخيمات اللاجئين, ولا ننسى توفير الأمن لهؤلاء الضيوف منعا للإنفلات والفوضى والمشاكل التي تفرزها هكذا ظروف.
إن مثل هذا المؤتمر الدولي يليق بشخصية عربية عالمية عارفة ودارسة ومتابعة للشأن العالمي وقضاياة كشخصية سمو الأمير الحسن. ومن اليقين أن وجود شخصية ثرية الفكر ومرجعية في القضايا الأممية والإنسانية والدينية والثقافية ستثري التداول والحوار الذي سيدور في المؤتمر وما سيتمخض عنه من توصيات وقرارات. واختيار سموه جاء اختيارا موفقا وقرارا حكيما في وقت بلغ الفتور بين الأردن وإيران مبلغه وصرحت بذلك إيران على لسان سفيرها لدينا.
نعتقد أن سموه ليس بعيدا عن آلية الحكم ولا يملك أن يكون بعيدا عن وطنه وهو يرى التجاذب والتشادد بين قوى الشد العكسي التي تحارب الإصلاح وبين قوى الدفع باتجاه الإصلاح ومحاربة الفساد. وظهور سموه على وسائل الإعلام الأردنية وما أدلى به من رأي بخصوص الشأن الداخلي وتناوله للهم الأردني في وسائل إعلام عربية وعالمية هو باعتقادنا مقدمة توليفية لما سيأتي وتكليفه بتمثيل الأردن في المؤتمر هو بداية سلسلة من المهمات الهامة والمفصلية التي سنلمسها في المنظورين القريب والبعيد.
لقد جاء تكليف سموه بهذه المهمة الرسمية الرفيعة وفي هذا التوقيت الحساس رسالة للذين يظنون أنهم ينفردون للعب بالكرة دون وجود للدفاع. لقد خاب ظنهم وبالتأكيد قد ذهلوا وصدموا من هذا الإختيار الذي نأمل أن يكون باكورة خير تنعكس على السياسات والقرارات التي من شأنها تصحيح المسار وتسريع ماكينة الإصلاح بتجديد برامجها وأدواتها ليعلم الفاسدون أي منقلب ينتظرهم.
ولجلالة الملك نقول كل شعبكم الغيور يشد على أيديكم ويبارك لنفسه ولكم بهذه الخطوة الحكيمة والمباركة ويناشدكم النهل ما استطعتم من معين عمكم الذي لا ينضب. وشعبكم الغيور يؤكد لكم مباركته وغبطته بهذه الخطوة الموفقة والتي انتظرها منذ زمن.
وسموه ولا شك هو الرافد النقي لكم ولشعبكم حيث لديه من المعرفة بالناس أفرادا وعشائرا وغيرهم من مجموع سكان الأردن ما يؤهله ليكون خيرعون لكم وقد تتلمذ في مدرسة والدكم طيب الله ثراه وتغذى وترعرع في ظله وتحت رعايته ولم يبخل عليه يوما بالدعم والمؤازرة. كان طيب الله ثراه يرى بسموه العقل التنويري الخلاق وساعده الأيمن وقرة عينه الذي يشد من أزره في الملمات التي واجهت جلالته وما أكثرها. وهو المستنير المنير للطريق حيث جلالتكم وفي زحمة المسئولية وتسارع الأحداث وتكالب الظروف وتكالب المتكالبين لا بد من ناصح أمين صدوق يكفيكم عناء البحث بين "المرشحين للنصح " عمن هو المأمون جانبه وأهل للثقة.
شخصية بثقل وعلم ومعرفة ودراية وثقافة سمو الأمير الحسن تحظى بتقدير واحترام وإجلال بالمحافل الدولية والمنتديات الفكرية والحوارات المتعلقة بالإنسان بمفهومه المطلق, هي بمثابة ثروة نوعية نحن مستحقوها بالمقام الأول لتسخر فكرها ودرايتها لتصويب الكثير من القضايا الشائكة والتي تحتاج معالجتها والتعامل معها للعارفين المخلصين حقا وليس نفاقا وللذين قلوبهم تخفق بحب الأردن وقيادته وشعبه.
فمن هو أجدر من الحسن وأكفأ وأكثر دراية لمكنونات الأردن والشعب والمنطقة ليكون العم والأب والمستشار والشريك بالهموم والمساعد على إيجاد الحلول الناجعة؟؟ وها هو جلالته قد أرسل اللبيب الغني عن التوصية الذي قطعا التقطت مجساته المراد.
فسر جلالتكم عافاكم الله وسدد خطاكم لما فيه خير الأردن وامضي بطريق ها أنتم سلكتموه دون وجل داعين الله لكم التوفيق والسداد وضارعين أن يحبوكم بالبطانة الصالحة الصادقة الصدوقة.
وحمى الله الأردن والغيارى على الأردن. والله من وراء القصد.
ababneh1958@yahoo.com