إذا وافقتُ معالي وزير الداخلية على أن ما جرى في معان مجرد عارض ، فيمكن أيضا أن أسمي ما جرى في اربد وعين الباشا والزرقاء قبلا ، والكمالية وغيرها عوارض. ويمكن أيضا أنْ أقول أنّ خروج البلطجية وشبيحة الأمواس من الجحور للطرقات والأزقة ، ومسيرات السلفيين المنظمة في البقعة وتهديهم بالسلاح ، وفرض رأيهم ومعتقداتهم على الجميع والتقوي على الأجهزة الأمنية وطعن الشرطة جهارا نهارا واطلاق الرصاص وغيرها كلها أيضا أحداث عارضة .
يمكن أن تقبل فعلا هذا الوصف اذا انتهت الأمور في مكانها . ولم يكن الأمر مخططا له وليس له توابع أو تطورات تنقلنا من حالة إلى حالة .المسألة لا تقف عند تبسيط الأمور ولا يمكن معالجتها ( بالطبطبة ) عليها كما طبطبنا على الكثير من الحوادث ، فرجل السير أو الشرطة في دول التقدم والديمقراطية لا يتم الحديث معه إلا بعد أن يكبل الذي أمامه أو أن يضع الأخير يديه فوق رأسه احتراما لهيبة الشرطي ليس لشخصه بل للقانون الذي يمثله.
المسألة على ما يبدو لم تبدأ من الصفر ولا من حالات مفاجئة ، بل منذ أن سكتنا على اعتداء بعضهم على الطبيب والممرضة ، وأغمضنا أعيننا عن الاعتداء على المعلم والمعلمة ورضينا بإهانة موظف الدولة وتشويه صورته ووصفنا العنف الجامعي والاجتماعي بمجرد مراهقة جامعية وصراع عشائري . نعم لقد بدأت المسألة عندما تسابق النواب والحكومة لإضعاف كل منهم الآخر واختراقه ، بدأنا عندما فشلت المؤسسات وفقدت مصداقيتها جراء السياسات والاستراتيجيات والإدارة الخطأ ؟ بدأنا عندما تجرأ الفاسدون فاجتزأوا من حقوق الشعب ماله ومؤسساته ومستقبله و لم نجد من يحاسبهم أو يقف في وجوههم ،بدأنا عندما أصبح يساء إلى الشرطي ويتم التطاول عليه ويبقى مكتوف الأيدي صامتا بحجة الأمن الناعم . فتوزيع المرطبات على الصالح والطالح في مسيرات الحراك لا يعني استيعاب الحراك والربيع العربي الهائج ، فالذين يقبضون الثمن ولا يعرفون من الديمقراطية ومفهوم الحرية الا الاسم وهم لا يفسرون سلوك الدولة الا بحالة الاسترضاء ، والاسترضاء عندهم ضعف وهوان لا بد من استغلاله .
غرنا المديح بالأساليب الناعمة وتناسينا ان نسيج الوطن وهيبته ونظامه العام تتعرض للإيذاء ، انظروا سرقات المياه و.... انظروا الاعتداء على الأراضي ... انظروا الفساد المستشري من قبل شخصيات وجماعات معروفة ؟ ومن هم (...) انظروا الفساد الغذائي والتلاعب بالأسعار ... انظروا ماذا وجدنا بحملة بسيطة محدوده لدائرة الغذاء والدواء ، انظروا إلى فسادالأفكار الذي يمارس من بعض وسائل الإعلام واستغلال مفهوم الحرية لأغراض وغايات بشعة ،انظروا كيف يلعب الاخوان بمستقبل الأردن السياسي ومحاولتهم ركوب موجة تأجيل الانتخابات والفوز بهذا المكسب رغم ان الحقيقة أبعد ما تكون عن ذلك .
حقائق مؤلمة نجدها في ساحتنا وشوارعنا وأمام اعين حكومتنا لنجد ان تصريحات مسؤولينا لا يمكن وصفها الا بالدبلوماسية، فكيف وحالنا هذا نوافق مدير الأمن العام على أننا لم نفقد هيبة الدولة ولم نصل حالة الانفلات ؟ وفي الوقت نفسه كيف نوافق على ما وصفه معالي الوزير من ان إطلاق نار وإصابة حراس مبنى المخابرات في معان حالة عرضية. اقبلها من وزير الإعلام الذي يريد ان يخفف من هول الموقف والواقعة ، لكن الباشا وزير داخليتنا يعرف تماما أن الحقائق لا يمكن ان تُجمَّل بشكل او بصورة غير واقعها في الأردن ؟
يجب علينا جميعا ان نعترف بأن الأمور اصبحت لا تطاق و للأسوأ، وان خروج السلفيين مثلا بهذا الشكل والصورة وهم الذين تربوا في أحضان وأمام اعين اجهزة الدولة الأردنية يجب ألا يتجاوزوا حدودا يشعرون بأنهم قوة جديده قادرة على خلق حالة جديدة حتى لو خدموا حالة سياسية الآن ؟ فهؤلاء اقرب الى الانفجار في حضن الوطن ونصبح على ما فعلنا نادمين . آن الأوان ان تضع دوائرنا الأمنية وبقرار من مجلس الوزراء السير باستراتيجية أمنية تعيد حالة الأمن للمواطن في الطرقات والساحات والمحال ومناطق التجمع من هؤلاء الذين يفرضون الخاوات او ينفذون شرائعهم كيفما يشاءون او أولئك الذين يعتقدون انهم أكبر من القانون . آن الأوان ان يعاقب بحزم كل من يعتدى على أملاك الدولة او يستغلها بغير حق او الإساءة لأي مرفق عام مهما كان جنسه وأصله ولونه وكفانا سكوتا ، وكفى هذا البلد وأبناؤه المتألمين حرقة ومعاناة . نريد فعلا لا طحنا في الهواء. فعلا يحقق للديمقراطية الرشيدة حاكميتها وطبيعتها ، لا خروجا عليها وقتلها باسمها .