اخبار البلد - د . مراد كلالدة
عقد المنتدى الأردني للتخطيط فعاليته لشهر أب للعام 2012 تحت مسمى "منتدى السبت" بعنوان: الإسكان بين التخطيط والعشوائية والتي إفتتحها نائب رئيس المنتدى/ م. كمال جلوقة مرحبا بالحضور وُمعطيا" نَبذة عن المنتدى الذي ُأسِس ليُشكل ملتقى للمخططين يتم فيه التطرق لموضوع تخطيطي تنموي أردني بحيث ُتدعى الجِهة الرسمية المَعنِية ونظيرتها من القطاع الخاص ليصار لمناقشتة موضوع المنتدى بشكل حواري متخصص من قبل المهتمين. وأستهل المهندس جلوقة حديثه بتعريف السكن غير الملائم وهو عندما يشعر الأطفال بالخجل من بيتهم، كما يقول روبن شل نائب الرئيس لبرنامج الموئل حول الإنسانية العالمية، وهو البيت الذي يمرض ساكنوه على الدوام، والذي لايعرف ساكنيه متى سيأتي أحدهم ويزيل بيتهم العشوائي، إنهم دوما تحت رحمة الأغنياء وأصحاب النفوذ! أما السكن الملائم فهو البناء الدائم الذي يصمد أمام الظروف الجوية، والذي يؤمن مساحة كافية للقيام بالنشاطات البيتية لكافة أفراد الأسرة ويؤمن الخصوصية والأمان للأفراد والأسرة، والذي يتكامل مع محيطه اجتماعيا وتفاعليا، والذي يتمتع بالخدمات الأساسية من مياه جارية وكهرباء وصرف صحي، وهو قريب من الخدمات الاجتماعية كالمدارس والعيادات الصحية ومن خطوط النقل العام التي توصل السكان بأماكن العمل والتعلم والترويح والخدمات الحضرية الاخرى.
مدير إدارة التخطيط في المؤسسة العامة للإسكان والتطوير الحضري/ المهندس سليمان الحسنات قدَم إيجازاً حول وضع قطاع الإسكان في الأردن وبين بالأرقام بأن عدد سكان المملكة قد تضاعف ست مرات منذ العام 1961 وأن ُمعدل حجم الأسرة قد إنخفض من سبعة إلى حوالي أربع أفراد، وذكر بأن حوالي 73% من المساكن هي شقق وأن حصة الفرد من المساحة حوالي عشرين متر مربع وهي أعلى من المعدل العالمي البالغ 13.8 متر مربع للفرد. وحول دور الدولة الأردنية في هذا القطاع الحيوي والهام بالنسبة للمواطنين ذكر المهندس الحسنات بأن الدولة قد تنبهت باكراً إلى وجوب تنظيم قطاع الإسكان فقامت في العام 1966 بتأسيس مؤسسة الإسكان ومن ثم دائرة التطوير الحضري في العام 1980 ومن ثم دمجها معها في العام 1992 لتشكل المؤسسة العامة للإسكان والتطوير الحضري التي إضطلعت بدور إنتاج الوحدات السكنية بشكل مباشر ومثال ذلك مشروع ضاحية الحسين للإسكان الذي افتتح في العام 1969 ومشروع ابو نصير الذي أمنّ 8700 وحدة سكنية وقامت بتوفير الأراضي المخدومة في مواقع شتى في المملكة. وقد قامت الدولة في العام 1989 بإقرار الإستراتيجية الوطنية للإسكان والتي تمحورت حول الإنسحاب من عملية الإنتاج المباشر للمساكن وإفساح المجال للقطاع الخاص للإطلاع بهذا الدور على أن يبقى دور المؤسسة ُموجِهاً ومساهماً للقطاع بشكل عام بكافة عناصره، وتوفير الأراضي المخدومة لفئة محدودي الدخل.
وفي مداخلة له حول عرض المهندس الحسنات، ذكر رئيس المنتدى/ الدكتور مراد الكلالدة بأن توقف المؤسسة عن إنتاج المساكن منذ العام 1998 بدأت نتائجه تظهر في عدم تمكن شريحة كبيرة من المواطنيين من شراء المساكن من السوق العقاري الحر، ووجهه سؤالا مباشراً لرئيس جمعية المستثمرين في قطاع الإسكان الأردني/ السيد كمال العواملة حول قدرة القطاع الخاص على تلبية الطلب على السكن بجميع شرائحه وبأسعار يمكن تحملها من قبل المواطن الأردني، فأجاب السيد العواملة مستندا إلى الأرقام التي تفيد بأن حوالي 72% من الأردنيين تقل رواتبهم عن 420 دينار شهريا، وبالتالي هم غير قادرين على توفير السكن لذاتهم ولعوائلهم. وأضاف بأن عملية إنتاج الوحدات السكنية الجديدة تعتمد على الأرض ومواد البناء وقال بأن هذين العنصرين يشكلان غالبية السعر المفروض على المستثمر في هذا القطاع، وبتوزيع سعر الأرض على الشقق السكنية نجد أن الشقة الواحد تتحمل في أقلها 20 ألف دينار وقد تصل الى 100 ألف دينار من سعر الأرض. وإذا ما أضفنا مواد البناء والخدمات فإننا نتحدث عن سعر عالي للوحدة السكنية لا يَقِدر على تحملها سوى شريحة معينة من المواطنيين. ومن هنا طالب السيد العواملة بتدخل الدولة لمساعدة القطاع الخاص على تخفيض سعر الوحدة السكنية ومثال ذلك تخفيض الضريبة على الأراضي ومواد البناء حيث تشير دراسات الجمعية بأن حوالي 35% من كلفة أي عمارة هي ضرائب مركبة ونحن لا نطالب بإعفاء كامل من هذه الضرائب وإنما لشرائح مستهدفة من ذوي الدخل المحدود ودعى السيد العواملة الى ضرورة تدخل الدولة في قطاع الإسكان لأن هذا الفراغ لن يسده القطاع الخاص وسيتجه المواطن لتوفير السكن بأي وسيله وحتى لو كان ذلك عن طريق العشواءيات وسكن الصفيح. كما دعى العواملة الشركات الكبرى للمساهمة في توفير السكن الوظيفي بالقرب من مواقع الإنتاج للتقليل من التنقل بين مكان العمل ومكان السكن.
السيد كنغزلي روبوثام، أحد الخبراء الأجانب الذي عمل مديرا لمشروع ممر عمان التنموي والعامل حاليا مع البنك الدولي، أفاد بأن البلدان العربية عموما والأردن بشكل خاص لا يعتمد على الدراسات العلمية ولا ينتهج اسلوب التخطيط العلمي في معالجة مشكلة الإسكان، وذكر بأن المعلومات غير متوفرة لدى صاحب القرار وهناك حاجة ماسة لعمل دراسات تحليلية ووضع إستراتيجية حقيقية للإسكان تأخذ المتغيرات الديمغرافية والإقليمية بعين الإعتبار.
المهندس بهاء مرجي شدد على أن معضلة الإسكان تتفاقم ومرد ذلك إلى الإبتعاد عن التخطيط الشمولي والذي يشكل التخطيط للإسكان أحد جوانبه وليس كلها. وتطرق الى التجربة الألمانية في الإسكان والتي تركز على توفير السكن الملائم لجميع الشرائح الإجتماعية بدون فصل طبقي بين الناس وذكر تجربة " البيت النواة" كتجربة ممتازة تخدم الفرد والعائلة الممتدة. المهندس عماد أبو جودة أكد على ضرورة تعديل نظام الأبنية والتنظيم للأمانة والبلديات بما يزيد من النسبة المئوية وعدد الطوابق المسموح بها.
ولم يغييب عن المتحاورين التطرق الى المبادرة الملكية "سكن كريم لعيش كريم" والذي يهدف الى توفير السكن لذوي الدخل المحدود وموظفي القطاع العام والقوات المسلحة والأجهزة الأمنية والمتقاعدين العسكريين والمدنيين وإنشاء نافذة لتوفير التمويل اللازم للسكن، حيث ذكر المهندس الحسنات بأن الدولة قد كلفت المؤسسة بالإشراف على إدارة المشروع بعد مرور ستة أشهر على إنطلاقته ولم تكن المؤسسة مسؤولة عن التخطيط لهذا المشروع بل تولت الحكومة إطلاق ومتابعة هذه المبادرة الملكية. وقد قامت المؤسسة بإشراك جمعية المستثمرين في قطاع الإسكان في المشروع والتي أبلت بلاءً حسناً من حيث تخفيض سعر الوحدات السكنية مع المحافظة على الجودة والسرعة في الإنجاز. إلا أن المشروع قد تعثر بسبب سوء في التخطيط منذ البداية وقد واجهتنا مشاكل تتعلق بإختيار الموقع وتوفير الخدمات ومثال ذلك طلب المواطنين توفر مدراس في المشروع على سبيل المثال بينما طلبت وزارة التربية والتعليم توفر نسبة إشغال معقولة للبدء ببناء حاجتها من المدارس وكذلك خدمة هذه المواقع بالصرف الصحي والتزويد بالمياه والكهرباء والمواصلات. وعلّق رئيس المنتدى على ذلك بأن ما جرى هو فَزعة بدون تخطيط شمولي وأكد على أنه بالرغم من النوايا الطيبة لدى الديوان الملكي في المساعدة في إنجاح المبادرة الملكية، إلا أنه لا كان من المفترض إيكال المهمة بالكامل للحكومة ومنحها الوقت الكافي لتصميم وتنفيذ هذه المبادرة بشكل منهجي مدروس. وقد تفاعلت طالبة التخطيط الحضري في جامعة العلوم والتكنولوجيا الآنسسة نادين بسام وقالت بأن مشكلة المشروع تمحورت حول إختيار الموقع وأن الناس لا تريد أن تكون معزولة في مواقع معينة والتقط هذه الإشارة المهندس كمال جلوقة والذي عرّج على التجربة الألمانية في توزيع ذوي الدخل المحدود ضمن مشاريع إسكانية كبيرة كأن يتم تخصيص ما نسبته 15% لهذه الفئة على أن تكون ُمبعثرة الموقع ضمن المشروع الأكبر وبهذا تنصهر الفئة الأقل حظا مع الفئات المسيورة لينمو كل منها نحو مجتمع دائم التطور وبأقل قدر ممكن من الإنعزالية وعدم الشعور بالدونية.
وفي ختام المنتدى تم التأكيد على ضرورة عودة الدولة الأردنية الى التخطيط المركزي الُممنهج والذي يشكل الإسكان جزءاً منه لضمان ُحسن إدارة الموارد، على قلتها، وتوزيع الأعباء بين القطاعين العام والخاص بما فيه مصلحة للمواطن والذي هو هدف التنمية المنشود.