( حكايات من فسادستان)


اليوم سأروي لكم قصة من بلاد بعيدة اسمها فسادستان : يحكى ان احد السلاطين زار صديقا له الذي كان سلطانا لاحدى الدول الغنية وبعد مراسم الاستقبال والولائم السلطانية شرح لصديقه ضيق الحال والفقر الذي يعاني منه شعبه وشح الموارد ..الخ فما كان من السلطان المضيف الا أن سال ضيفه عن أي مشاريع من الممكن ان تساعد شعبه وتكلفة المشروع او مجموعة المشاريع فقال الضيف هنالك الكثير من المشاريع والأولوية لمشروع مزارع ابقار ننوي اقامته في احدى القرى في منطقة ريفية لكي يستفيد منه ابناء القرى المجاورة وتلبغ تكلفته بحدود (10 ) عشرة ملايين درهم فما كان من السلطان المضيف الا ناوله هدية وهي حقيبة تحتوي على العشرة ملايين درهم التي طلبها مخاطبا ضيفه ان هذه الأموال هي من اموال اغنياء شعبي تبرعت بها باسمهم لمساعدة شعبك الفقير ...
عاد السلطان من رحلته ومعه تلك الحقيبة وبعد وصوله لبلده واستراحته في قصره نادى على وزيره الأول وابلغه بضرورة البدء فورا بالمشروع في تلك القرية واعطاه الحقيبة التي تحتوي على الـ عشرة ملايين دولار كاملة وامره بأن يعلمه من حين لآخر عن مدى التقدم في المشروع واين وصلنا ومتى سيتم البدء بالانتاج لأن الشعب مرهق ويحتاج إلى تشغيل للانفاق على معيشته ...
... اخذ الوزير الأول الحقيبة وعاد لمكتبه ونادى على الوزير المختص بالاشغال واقامة المشاريع وابلغه بضرورة البدء يمشروع الابقار وقال له يأن السلطان ابقاه الله قد اعطاه (7) سبعة ملايين درهم لهذا المشروع وعلى الوزير أن يوعز فورا بالبدء بالمشروع...
...عاد الوزير المختص لمكتبه ونادى على مدير الاشغال ليبلغه بضرورة البدء بمشروع تربية الأبقار وبأن الوزير الأول قد اعطاه (5) خمسة مليون درهم للمشروع لتشمل اقامة البنية التحتية واالمنشآت الخاصة بالابقار وماكينات الحليب واماكن تفريغ وتعبئة الحليب وماكينات صناعة الاجبان والجلود ...الخ وعليه التنسيق مع المعنيين العاملين مع وزير الزراعة لاستيراد الابقار المطلوبة ....
..عندما عاد مدير الاشغال لمكتبه قام بالتنسيق مع المعنيين بوزارة الزراعة بخصوص استيراد الأبقار ..الخ واوعز لمدير اشغال المناطق الريفية بالبدء فورا بالمشروع وقال له بأن الوزير المختص قد اعطاه مبلغ (3,5) ثلاثة ملايين ونصف المليون درهم للمشروع وعليهم التنفيذ فورا والتنسيق مع المعنيين في وزارة الزراعة بخصوص بقية الأمور..
... عندما عاد مدير اشغال المناطق الريفية لمكتبه اوعز لمدير اشغال المنطقة للبدء فورا بالمشروع وابلغه بأن مدير الأشغال قد اعطاه مبلغ (2,5) مليون درهم للمشروع فاخذ الحقيبة وهذا الملبغ ...
...عندما عاد مدير اشغال المنطقة لمكتبه أمر بتشكيل لجنة خاصة من المهندسين ونادى على رئيس المهندسين ليبلغه بأمر مدير الأشغال الريفية بالبدء بالمشروع وبأنه قد اعطاه مبلغ (1,5) مليون درهم للمشروع وقام باعطاءه الحقيبة وبها هذا المبلغ ..
...وعندما عاد رئيس المهندسين لمكتبه قام بتشكيل اللجنة المطلوبة ونادى على رئيس اللجنة او مهندس المشروع ابلغه بضرورة البدء فورا بالمشروع واعطاه مبلغ (1) مليون درهم التي قال أن مدير اشغال المنطقة قد اعطاه اياها لهذا المشروع ...
.... تم تنفيذ المشروع وتم استيراد الأبقار والماكينات المطلوبة ...مضى بحدود سنة على بداية القصة حيث تقررت زيارة السلطان المضيف لضيفه كرد على زيارته وقد طلب السلطان المانح من مضيفه ان يتفقد المشروع الذي تبرع بتمويله العام الماضي وسأل عن سبب ضغر حجم المشروع وقد استمع لايجاز من مهندس المشروع والذي ذكر فيه بأن المشروع كلف بحدود (1) مليون درهم فقط وهي التي اعطاه اياها رئيس المهندسين .... وعندها طلب السلطان الضيف كشفا ماليا بالتكاليف ولما حصل عليه اسر السلطان الضيف ذلك في نفسه وانتهت زيارته لضيفه الذي شكره على زيارته وعلى تبرعه السخي...
... عندما وصل السلطان الزائر لبلده اجتمع بوزرائه وباغنياء شعبه وأبلغهم بان لايتبرعوا سوى بنسبة 10% من تكلفة المشاريع التي تطلبها السلطنات الفقيرة المجاورة لأن 90% من تبرعاتهم يتم مصادرتها وسرقتها قبل ان تصل للمشاريع المطلوب تمويلها .... هذه حكاية وفي الحكاية القادمة سأروي حكاية أخرى من بلاد فسادستان البعيدة ....!!!

هاني العموش - ابو عدي
hani_omoush@hotmail.com