شركات الخلوي إذ تراهن على «الفهلوة»


أجزم أن غالبية المستخدمين لخدمات الاتصالات والانترنت في بلادنا واجهتهم مشاكل تقنية، وأخرى مرتبطة بالسعر وهو أمر مقبول في حال لم يتجاوز الحد المسموح به، كمقياس للنزاهة والشفافية في تعامل

الشركات المشغلة مع العامة، لكنه يصبح أمرا شائكا عند طرح مئات العروض المنافسة بطريقة مغلفة، القصد منها تضليل الناس وعدم معرفة تفاصيل اشتراكاتهم، ليفاجؤوا فيما بعد أنهم منقطعون عن العالم، ومتعطلون من أشغالهم؛ بسبب رداءة الخدمة، أو مثقلين بدين من خلال فواتير لا يتحملون مسؤوليتها.

نجاح قطاع الخدمات بشكل عام، وفي الاتصالات بشكل خاص، يعتمد بالدرجة الاساس على قاعدة خدمة ما بعد البيع، وإلا ما جدوى أن تبيع شركة خلوي ملايين الخطوط واشتراكات الانترنت وتعجز فيما بعد عن متابعة مشاكل الزبائن، ومواصلة تقديم الخدمة بذات الجودة التي حملتها عشرات العروض هنا وهناك عبر اعلانات في وسائل الاعلام المختلفة، وهو أمر أكثر خطورة بضمان تلك الشركات صمت تلك الوسائل عن اخفاقها، وإلا تحرم من الاعلان، تلك العلاقة غير الشرعية بين رأس المال والاعلام وهي قضية تفيض ولا يتسع المجال لشرحها في المساحة الضيقة هنا.

أيضا من الضرورة بمكان التذكير بمدى وعي المستهلك، ومعرفته الحقيقية بتفاصيل تعاملاته مع تلك الشركات، فتجد الغالبية تأبى بسبب ضيق الوقت، أو تجنب «وجع الرأس» -كما يقولون- أن تتقدم بشكوى ضد تلك الشركات، أو تحاول حتى حل مشاكلها مع خدمات المشتركين؛ بسبب المتاهة التي يواجهونها بين تناقضات بين موظف وآخر، وتناقضات أكثر بين الموظفين ومسؤوليهم.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، يجد من يتبع اعلان «تحدث بنصف القيمة» نفسه يدفع اضعاف ما كان سيدفع، لو لم يقع في شرك الاشتراك بتلك الخدمة، ويفاجأ مستخدمون بخدمات من اليسار واليمين إلى درجة أنها ترغب بالقفز من الهاتف إذا ضغطوا على كبسة بالخطأ، ويبدؤون رجاء العاملين في تلك الشركات إلغاء هذه الخدمة أو تلك، وبتعمد مقصود تبقى الخدمة قليلا حتى تستوفي رسومها التي خططت لها تلك الشركات، ليس إلا مراهنة على «فهلوة».

ولكي لا يفهم الموضوع على أنه يدخل في سياقات المبالغة أو التهويل، فإن فواتير الناس تشهد بذلك، وعدادات الهواتف التي لا يقرأ تفاصيلها معظم المشتركين، أو حتى لا يعرفون كيفية احتسابها موجودة ويمكن الرجوع إليها. أضحكني أحدهم عندما شبه مراجعة الشركات عبر الهاتف أو شخصيا، بمثل من ينقل مصابا في الطريق تعرض لحادث، ويجد نفسه متهماً في المركز الأمني ويطلب للشهادة أكثر من مرة حتى انه يحتاج إلى تكفيل؛ بمعنى أن غالبية المشتركين يفضلون دفع فواتيرهم بصمت، بدلاً من مناكفات غير مجدية.

الأمر الأخير يتعلق بمستوى الرقابة، وكيفية تتبع خدمات تلك الشركات إن كانت تطرح عروضا تستوفي شروط الشفافية، أم أنها معنية فقط بعناوين العرض وشكله الخارجي؛ كون الشيطان يكمن في التفاصيل، وتحديدا في عروض الهواتف المجانية؛ إذ يجد المستخدم نفسه قدم أكثر من ثمن الهاتف على شكل اقساط وتأمينات وضرائب، بعد أن يقع ضحية لعنوان وهمي على شكل «احصل على هاتف مجانا». وبموضع سؤال: أين أداء هيئة تنظيم قطاع الاتصالات؟ فنحن كإعلاميين لم نسمع يوماً أنها خالفت شركة في إطار العروض وتفاصيلها، بل إن تركيزها انصب -وما يزال- على منح الرخص وقيمها، لتأخذ طابع الجباية لا الرقابة.

تشير الدراسات إلى أنّ أعلى نسب استحواذ للمستثمرين الأجانب من عوائد قطاع الاتصالات كانت في الأردن، حيث تستحوذ شركات اتصالات اقليمية وعالمية على 75.13 في المئة من ملكية شركات الاتصالات الرئيسة العاملة في السوق المحلية، وذلك يدل على حجم الربح الذي تجنيه تلك الشركات في بلد فقير مثل الاردن، لكنه لا يعكس الخدمة الحقيقية التي يرغب بتقديمها هؤلاء المستثمرون الاجانب من الوكلاء المحليين، وبدون مبالغة على هذا النحو يمكن أن تتحول إلى خسارة عن قريب.

هذا المقال مقدمة لحديث لاحق يشرح بالتفصيل تجربة عشتها شخصيا مع أكثر من شركة خلوي، وموثقة بفواتير، باختصار فإن احدى الشركات تبيع كميات الانترنت المستخدمة بسعر الذهب، تعتمد على استغفال صريح للمستهلكين بعد إيهامهم الحصول على حزم معينة بأسعار رخيصة، بينما في الكواليس هنالك أكثر من عداد يراكم على الفاتورة مئات الدنانير، والمستهلك يكون مضطرا إما إلى الانصياع أو يفقد الخط.
malawneh0793@yahoo.com