الكلام في معان والفاتورة في عمان *

صلينا الجمعة مثل غيرنا،والخطيب يدعو للجيش الحر في سورية بالانتصارعلى النظام السوري،والشيخ لايعرف ان الجيش الحر،مجاميع بشرية،بعضها ملتزم دينياً،وبعضها يعمل وُينسّق مع السي أي آيه،وبعضها مع الموساد،وآخرون وطنيون حقيقيون.

بهذا المعنى شملت بركة الشيخ،الجميع،وهكذا يتم الزج بالدين،في صراع سياسي دولي داخلي في سورية،فتسأل نفسك:الم يكن أولى بالشيخ ان يدعو للشعب السوري كله بالنصروالفرج،بدلا من التخصيص للجيش الحر،واغلب سلاحه وماله وارد من المخابرات الامريكية والاسرائيلية والفرنسية والتركية،في وجه نظام تدعمه مخابرات موسكو وبكين وطهران وحزب الله؟!.

الاولويات في الدين يتم التلاعب بها،وفي معان يخرج علينا محمد الشلبي «ابوسياف» أحد قادة التيار السلفي والجهاد وُيبشرنا بوجود اردنيين يقاتلون في سورية ضد النظام،ويعلن فخره بذلك،ويترك لعّمان الكلفة والفاتورة،بحيث يصير ممكناً لنظام الاسد اليوم ان يقول ان الاردن يسمح بتسلل المقاتلين اليه،وبالتالي لامانع من ارسال خلايا امنية للتفجير في الاردن،كرد فعل على هذا التسلل.

ما يجري في سورية واضح، هناك مظالم للشعب السوري، ونظام دموي مجرم، والثورة اشتعلت لأسباب دينية ووطنية في البدايات فقط، غيرأنها لم تبق كذلك اليوم، فقد دخلت كل دول الإقليم وأجهزتها الأمنية وضباطها على الخط، وباتت سورية ملعبا لحروب عالمية.

لو كانت دول العالم تريد انهاء ازمة سورية،لانهتها على الطريقة الليبية منذ زمن بعيد،لكنها تريد للحرب الاهلية ان تستمر اكثر واكثر،حتى يتم تدمير كل الشعب السوري،وتحطيم بنى البلد،وتقسيم الداخل،وهذا يجري بيد الطرفين المتصارعين،ومن خلفهما،فتكون النتيجة ان «النظام والمعارضة» ُدمى بيد من يريدون تحطيم ذات البلد وشعبه.

هذه ليست معركة لله،حتى لايتم صبغها بصبغة الجهاد ورفع راية لااله الا الله،لان انموذج السلفيين لدينا،وغيرها من بعض الجماعات الدينية تحارب في كل مكان بأستثناء اسرائيل،وتصب في حالات محددة بحسن نوايا لمصلحة اسرائيل.

تحارب في افغانستان،وتحارب في العراق وتقتل من السنة والشيعة الف ضعف الامريكيين،وتنتقل من هناك الى سورية،فلا يدقق هؤلاء في النتيجة النهائية،ولمن تصب هذه النتيجة،هل هي لله حقا،ام لصالح المخطط الامريكي الاسرائيلي لتدمير سورية من الداخل بوسائل مختلفة،لان الخاسر الحقيقي من كل مايجري هو الشعب السوري وسورية؟.

لم تعد القصة قصة عواطف،وسلفيو الاردن الذين يتسللون الى سورية،عليهم ان يتذكروا الاولويات،لان هذه الجماعات باتت اسلحتها اسهل ضد العرب والمسلمين،حتى لو كانوا موصوفين بالكفرة او الخوارج او الطغاة،والنتيجة هي تحطيم بنى مجتمعية عربية واسلامية،ولاشر يصل الى من ُيصّنف بأنه العدو الاول،بل على العكس،يقاتل بعض هؤلاء نيابة عن اولئك،ولكن بأسم الله!.

فخر «ابوسياف»رعاه الله،سيجلب لنا لعنات هنا في هذا البلد،لان السوريين سيقولون ان خلايا السلفية الجهادية تتدفق من الاردن،برضى الدولة ربما،وهذا سبب كاف لاتهام الاردن بأنه يعبث بالامن السوري،وعلى الاردن انتظار الرد،ولنا في عبث النظام السوري بأستقرار لبنان مؤخرا نموذج لما يمكن ان يفعلوه.

مابين شيخ المسجد الذي يدعو للجيش الحر،وبعض ماله وسلاحه ممول من المخابرات الامريكية والاسرائيلية،والشيخ الذي يفخر بمقاتليه في سورية،يأتي السؤال حول حق هؤلاء في توظيف اسم الله،في معارك بين عواصم واجهزة امنية عالمية،وهي معارك ليست لله اساساً،وليست لنا ايضا كأردنيين.

الشعب السوري ليس بحاجة الى السلفيين من هنا،او من اي بلد عربي،وعليه ان يدير ازمته مباشرة،وان كان من نصيحة فليبحث لنا «ابو سياف»عن رأي شرعي عاقل في الذي يبدو في ظاهره جهاداً،وباطنه سفك للدم،واشعال للفتنة،وتخريب لبلد بأكمله،وبأسم الله.

اذا كنتم تبحثون عن معركة،فأبحثوا على راحتكم،دون ان تزجوا بأسم الله فيها،بكل هذا الادعاء المؤلم،خصوصاً،ان المعركة الوحيدة الغائبة والتي يصح فيها النطق بأسم الله،أي مع اسرائيل،مازالت غائبة عنكم وعنا ايضاً.

مااسهل الكلام في معان،ومااثقل الفاتورة على عمان،ومااصعب الحساب يوم الميزان،وقد لانعلم من سينتصرفي سورية،لكننا بالتأكيد نعرف اسم الخاسر الوحيد من هذا المشهد،الا وهو الشعب السوري بكل مدنيته ورقيه وحضارته واقتصاده وبناه.