الفأر والحذاء


يقول المثل الشعبي " حتى الفار مد يده للحَذّاء " أي لماذا يمد الفأر يده للحَذّاء ( سكافي الخيل) حينما يمد الحصان حافره والحذّاء هو المختص بوضع الحذوة في حافر الحصان ويقوم بحذوه لكي يجعل الحصان يسير بيسر ويجري ويركض برشاقة لايعيقه عائق ولو تمعنا قليلا بحجم الفأر ووزنه لوجدنا ان حذوة الحصان تفوق الفأر كله حجما ووزنا عداك عن ان ضربة واحدة بمطرقة الحَذّاء لكفيلة بسحق الفأر! إذن فثمة مغزى ودلالة لقول هذا المثل ؟ قيل هذا المثل لمن لايراعي حجمه ووزنه وامكانياته اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا وسياسيا وقيل فيمن يلبس ثوبا غير ثوبه ليظهر للناس في ثوب مغاير تماما لامكانياته ومكنوناته ومحتوياته أو أن يتشبه بغيره ممن يفوقونه حجما ووزنا وامكانيًة.. بعضهم حينما يصل إلى موقع معين بطريقة أو بأخرى يهرول مسرعاً إلى الحَذّاء لأنه يشعر أن حجمه قد كبر وبأنه قادر على ان يتشبه بغيره فتراه غالبا يهرف بما لايعرف ويستخدم الكثير من المصطلحات وحشو الكلام والجمل التي لايعرفها واضرب مثالا لأحدهم الذي تشيخ أو استشيخ واصبح فيما بعد نائبا في البرلمان إذ كان ينظُّر في السياسة وفي الاقتصاد مما يسمعه من حوارات زملائه من دهاقنة السياسة والأقتصاد العارفين بدهاليزها وقواعد لعبتها وكان يردد مصطلح "البيرالية" في جلساته قائلا " إن سبب مشاكلنا الاقتصادية والاجتماعية هي البيرالية " واتضح لي من وقتها بأنه لايفقه معناها حتى أنه لايستطيع لفظها بالشكل الصحيح وقد سألني ذات مرة ان اساعده في الخطاب الذي سيلقيه تحت قبة البرلمان عن اسباب الفساد والأزمات الاقتصادية التي نعاني منها فقلت له بأن من تريد انتقادهم هم الليبيراليون وبأن مايقولونه هو كذب وزيف للحقائق وبأن تطبيق مبدأ ومنهج الليبرالية الاقتصادية واطلاق ايدي الليبراليين وبدون رقيب هو من الأسباب الرئيسة لما وصلنا اليه فتنهد صاحبنا طويلا ورفع حاجبيه قائلا لي " مامعنى هذه التي اسميتها " البيرالية الأقتصادية " فقلت له بانها الليبيرالية وليست البيرالية وهي كلمة تعني الاقتصاد الحر اي عدم تدخل الدولة في الانشطة الاقتصادية وترك السوق يضبط نفسه بنفسه وأن للفرد الحرية في القيام بأي نشاط اقتصادي وتعني ايضا في شكلها الآخر أن على الدولة الا تقوم بأى نشاط اقتصادي يستطيع فرد أو مجموعة أفراد القيام به . فقال لي هذه صعبة على الفهم ولذلك يتوجب تغيير كلمتي في خطاب بأن من الاسباب الرئيسة للفساد هو وجود فاسدين كبار ... نعم وجود فاسدين كبار .... ضحكت في داخلي وعندها أدركت بأن صاحبنا لم يكن سوى ببغاء يردد كلمات لايستطيع حتى لفظها بشكل صحيح فكيف به يفقه معناها ؟ لعنت اليوم الذي اصبح فيه صاحبنا نائبا في البرلمان ولعنت اللحظة التي تدخل فيها البعض لتعيينه نائبا يشرع للأمة ويسن لها القوانين الناظمة .... عند خروجي من منزله لم استطع ان امسك نفسي من الضحك وحتى القهقهة لأني تذكرت نكتة نائب آخر حينما سألته مذيعة حسناء في احدى القنوات الفضائية " مارأيك بالبطالة " فرد عليها قائلا " البطالة ..ممممممم الشعب الأردني كله أبطال ... .... الحقيقة المرة أن صاحبنا ذكرني ايضا بشخص آخر كان يقول للناس عن خصمه بالانتخابات " لاتثقوا بفلان ولا تصوتوا له فهو شيوعي اخ مسلم عرص " فكيف بالشيوعي يكون اخا مسلما ؟ لقد كان ذلك بالفعل ببغاء ولكن من نوع آخر ..... اما صاحبنا "أبو البيرالية" فقد سمعت أنه قام بإرسال تعزية للرئيس السوري من ضمن مجموعة كبيرة يعزيه بوفاة اربعة من افراد نظامه قضوا في حادث التفجير الأخير في حين أنه في جلساته يحمل بشدة على النظام السوري بأنه هو السبب فيما يجري في سوريا وحتى في الوطن العربي وحينا آخرا يستنكر مايجري في سوريا وحينا آخرا يستنكر قانون الانتخابات البرلمانية القادمة والذي اقره مجلس الأمة .... أي تناقض هذا وأي ببغاوات هؤلاء الذين يرددون مالا يعون ومالايفقهون وما يستعصي على فهمهم لاثبات أنهم جديرون بقيادة الأمة والتشريع لها ... إنهم لا يدركون حقا بأن للاقتصاد اصحابه وللسياسة اصحابها ولاعبوها وبأن لاصلاح ذات البين رجاله وللقضاء العشائري والعطوات والصلحات العشائرية رجالها أي لكل علم عالمه ... حقا إنهم يذكروني بمن مد رجله للحَذّاء........
هاني العموش - ابو عدي
hani_omoush@hotmail.com