في سوريا ... انشقاق الفاسدين

بعد ستة عشر شهرا من بدء المؤامرة على سوريا ، كحلقة رئيسية هي الاهم من حلقات مؤامرة الربيع الامريكي ، الذي اطلق عليه زورا وبهتانا لقب "الربيع العربي" ، وبعد الفشل المريع الذي حققته المؤامرة ، بفضل وحدة الجيش العربي السوري وتماسكه ، وهو الذي كان الهدف الابرز لاسرائيل ورعاتها ، الذين ارادوا له مصيرا مشابها لمصير الجيش العراقي ، بعد اجتياح بغداد عام 2003 ، خدمة للمستفيد الاول من الربيع الامريكي ، وهو اسرائيل .
وبفضل تماسك القيادة السورية بكافة هيئاتها ، والابرز منها هم السفراء ، بحكم وجودهم مع عائلاتهم خارج سوريا ، وتوفر امكانية الانشقاق لديهم ، دون الخوف من اي عاقبة ، خاصة ان معظمهم ، اما سفيرا في دولة شريكة بالحلف العدواني الغربي التركي الخليجي الاخواني ، الذي يقود بقية البيادق ، كادوات لتنفيذ المؤامرة ، التي ارادوا لها ان تكون عربية اليد والضحية والتمويل ، وما على الغرب الا جني الثمار فقط ، او في دولة تخضع لاملاءات الغرب ، وكلا من هذه الدول سترحب حتما بمثل هذا الانشقاق ، وتمنح السفير كل الامتيازات ، او في دولة اخرى لن تستطيع منع انشقاق السفير ، او منع توجهه الى اي جهة اراد الذهاب اليها ، ، وبعد فشل المتامرين الحاقدين في استدراج التدخل العسكري الغربي لتدمير وطنهم ، وقتل ابناء شعبهم ، بفضل الدعم القوي من حلفاء سوريا في روسيا والصين ، اللتان استخدمتا الفيتو المزدوج ثلاث مرات ، لافشال مشاريع قرارات الغزو في الامم المتحدة الامريكية ،هذا الفيتو المزدوج المكعب ، الذي شكل سابقة فريدة في تاريخ تلك الهيئة الدولية ، وارعب المتامرين ومن يقف ورائهم .
وبفضل الخشية من عواقب التدخل الغربي ، نتيجة قدرة سوريا على التصدي له وايلام الاعداء ، وبخاصة اسرائيل ، في ظل امكانياتها العسكرية المتوفرة ، وفي ظل صلابة ووعي وتماسك جيشها المقاتل الشرس ، وفي ظل وعي الاغلبية الساحقة من ابناء الشعب العربي السوري لحقيقة المؤامرة ومراميها ، تلك الاغلبية التي تضم بينها معارضة وطنية حقيقية ، تدرك ان الهدف ليس نظام الحكم ، بل سوريا الدولة ، والمنطقة العربية برمتها ، التي ستكون هدفا لما هو ابشع من سايكس بيكو ، وهو ما اطلق عليه مشروع الشرق الاسط الجديد ، الذي به تسود اسرائيل كدولة ديمقراطية متقدمة يهودية الصبغة ، محاطة بكيانات طائفية عربية متقاتلة ومتخلفة ، فتصبح اسرائيل سيدة المنطقة ، مما يهيء الظروف للقوى الاستعمارية الطامعة ، بنهب ثروات الامة ، بما فيها حقول الغاز المكتشف في البحر الابيض المتوسط ، قبالة سواحل سوريا ولبنان وفلسطين ، فيتحقق للحلف الاستعماري الغربي الصهيوني ، هدفه الثلاثي في تدمير سوريا كقلعة الصمود والتحدي الاخيرة في الوطن العربي ، ونشر الفوضى والفتن والحروب الطائفية ، التي تفتك بما تبقي من الامة العربية اولا ، فيتحقق الامن الابدي لاسرائيل ثانيا ، ويسهل عليهم جميعا نهب ثروات الامة ، المستغلة والحديثة الاستكشاف ثالثا .
بعد ستة اشهر من هذه الفصول التامرية التي آلت الى الفشل ، وابتداءا من شهر تموز الماضي ، استطاع المتامرون على سوريا ، ان يجدوا ضالتهم ببعض رموز الفساد وضعاف النفوس ، بعد ان اشرفت حملاتهم الاعلامية المضللة على الافلاس النهائي ، حين لم تجد مادة جديدة بغض النظر عن مصداقيتها ، كي تنال من معنويات الجيش والشعب في سوريا ، فوجدت في سفير سوريا بالعراق ، وسفيرها في الامارات العربية ، وزوجته التي يقال انها سفيرة في قبرص ، ضالتهم المنشودة ، ربما بعد ان رفع ثمن الخيانة ، وهو ما دفع هولاء الى سلوك الطريق المعيب المشين في الانشقاق ، فغادروا دون حياء او خجل ، الى حيث يقبضون ثمن خيانتهم ، الى قطر ، التي اخذت على عاتقها مهمة البيدق في تنفيذ المؤامرة الدولية على سوريا ، فكانت الممول الرئيسي لحملة القتل والتخريب في سوريا ، وحملة التضليل الاعلامي ، التي انفقت عليها المليارات ، في الوقت الذي افتقدنا فيه هذا الكرم ، وهذه التضحية ، من اجل فلسطين ، ومن اجل فقراء الوطن العربي .
ثم جاء انشقاق البلاي بوي مناف طلاس ، الذي توجه صوب السعودية ، واغضب قطر ، وهو الذي لا تبدو عليه ملامح العسكرية في شيء ، سواء في هيئته الخنفوسية ، او سلوكياته الارستقراطية ، بقضاء اجازات الصيف في ربوع فرنسا ، ولا نريد ان نقول اكثر من ذلك ، اكراما لتاريخ والده مصطفى طلاس .
اما الانشقاق المخزي ، والاكثرعارا وغباءا ، فهو انشقاق رئيس الوزراء رياض حجاب ، الذي لجأ مع اولاده واخوته وعائلاتهم ، لينتشلهم من الفقر ، بالملايين القطرية ، فتوجه الى حيث توجه اسلافه من الفاسدين وعبدة البترودولار ، كي يقبض الثمن ، دون ان يدري انه موضع احتقار من جنده ، واحتقار شعبه ، والشرفاء من ابناء امته ، ولا ندري ما الحكمة من غظ الطرف عن هروبه ، وبعض الانباء نقلت لنا ، انه كان موضع مراقبة الامن في سوريا ، الذي احصى حتى عدد المرات التي ذهب فيها الى الحمام من شدة الخوف ، اثناء تواجده في درعا .
لقد كشف المؤتمر الصحفي الذي عقده المنشق رياض حجاب في عمان ، عن سطحية الرجل ، وضآلة تفكيره ، وما تصريحه المخزي عن سيطرة ما يسمى "الجيش الحر" الا دليلا على ذلك ، حين قال ان المتمردين يسيطرون على 70% من ارض سوريا ، ومعنى ذلك ان لهذا التمرد قاعدته الجغرافية والشعبية الواسعة ، والاولى والحال هكذا ، ان لا يفر بل يبقى في هذه الارض "المحررة" ، اضافة الى اننا لم نسمع من رئيس وزراء ، موقفا سياسيا يبرر هذا الانشقاق ، وما هو برنامجه لسوريا التي يحلم بها ، ولماذا قبل ان يكون رئيسا للوزراء قبل شهرين فقط من انشقاقه ، وما هي هذه المعطيات المهمة جدا التي غيرت قناعته خلال هذه الفترة الوجيزة ، التي ربما لم يتح له فيها ، التعرف على مهامه كاملة ، وهل قناعاته قبل تولي المنصب كانت مغايرة ، لقد كشف هذا المؤتمر الصحفي عن شخصية هزيلة ، لا تفقه شيئا بالسياسة ، لا تطمح الا الى تحسين الاحوال المادية له ولافراد عشيرته ، الذين جلبهم معه الى "مثواه الاخير" في قطر .
ولا يسعنا هنا الا ان نتذكر ، اول انشقاق لاكبر رموز الفساد في سوريا عبد الحليم خدام ، الذي ازكمت رائحة فساده مع ابنائه انوف المواطنين السوريين ، والذي ارتمى باحضان ال الحريري ، واصبح عالة عليهم ، انفقوا عليه الملايين دون مردود ايجابي ، بعد ان لفظه الشعب السوري ، وحتى حلفاءه من الاخوان المسلمين السوريين ، الذين تحالف معهم سابقا ، مثله كمثل رفعت الاسد .
كل هولاء المنشقين ، هم رموز فساد ، تاريخهم مليء بممارسات الفساد ، وحاضرهم جشع وحب للمال ، ومستقبلهم مزابل التاريخ .
اما الحلم الاكبر لاطراف المؤامرة ، وبالاخص الغرب واسرائيل ، فهو انشقاق الجيش العربي السوري ، كي ينهار هذا الجيش فتنهار سوريا ، وتزول من امام اسرائيل ، اكبر قوة عسكرية عربية تهدد امنها ووجودها ، ففي الوقت الذي كان فيه بيادق البيادق من عناصر المتامرين ، يهتفون ضد هذا الجيش في مظاهراتهم ايام الجمعة ، فكانت احدى هتافاتهم على سبيل المثال لا الحصر " خائن خائن خائن ... الجيش السوري خائن" ، وهو هتاف سمعته بنفسي ، يعبر عن حقدهم على جيشهم الوطني العقائدي المتماسك ، والمتصدي بحزم للمؤامرة ، كانوا يلفقون ما يعبر عن احلامهم بانشقاقات في الجيش ، دون ان يعوا معنى الانشقاق ، هناك فرق بين ان نقول ان لواءا بالجيش قد انشق ، وعبر الحدود الى خارج سوريا ، والمقصود هنا عسكري واحد برتبة لواء ، وبين ان نقول ان لواءا كاملا قد انشق ، وهذا ما لم يحصل ولن يحصل باذن الله ، وما هولاء المنشقين العسكريين من افراد وضباط وطيار واحد هرب بطائرة قديمة مستهلكة ، الا فارين من الخدمة العسكرية ، وهو ما يحدث في كل جيوش العالم ، وما كان ليشار لهم ، لولا حاجة الاعلام المضلل الى اي مادة اعلامية ، وبعنوان جديد ، بعد افتضاح امر هذا الاعلام في الاشهر السبعة عشر الماضية .
سوريا سوف تنتصر على المؤامرة ، لانها تدافع عن الشرف العربي ، وتدفع ضريبة الدم عن العروبة ، وها هي اليوم كما كانت دائما ، خط الدفاع الاول عن وحدة الامة العربية ، ضد من يريد تفتيتها وابتلاعها ، واغراقها بالحروب الطائفية والدماء ، ان انتصار سوريا على المؤامرة ، هو انتصار لبقية الدول العربية ، المسجلة على قائمة التامر والتمزيق ، لان بانتصارها ، سحقا لقوى التامر ، وهزيمة لمشاريعهم التدميرية ، وانتصارا للعروبة .