نظام الأسد يدق جرس الفوضى على جيرانه

تشهد الإنتفاضة السورية تحوّلاً خطيراً طال الدول المجاورة لسورية في خطة مدروسة رسمها نظام الأسد وبدأ بتطبيقها منذ أسابيع مضت, ويبدو أن ماحذرنا منه سابقاً بأن المُهل المُعطاة إلى نظام الأسد لن تؤول إلّا لمزيد من الدمار وعدم الإستقرار للمنطقة وأن النتائج التي ستنطلي عليها كثرة المُبادرات المتكررة في الوقت الضائع ستكون أكثر دموية من أي تدخل غربي في فرض حظر جوي أو تأمين ممرات آمنة. 

هي خطة دموية بلاشك مهّد لها أبواق النظام على الإعلام من سياسييه وشيوخه بتهديد استقرار المنطقة في حال إتخذت تلك الدول موقفاً ضد نظام الأسد, فقد وفّر نظام الأسد الأرضية الرطبة للمجموعات الكردية المسلحة وتسليمهم بعض المناطق القريبة من الحدود التركية لتنفيذ هجمات ضد مراكز الحدود التركية وخلق حالة من عدم الإستقرار, كذلك فقد قام النظام بلعب الدور المُخابراتي والتجسسي على الحدود الأردنية وداخل المملكة عن طريق تجنيد جواسيس وشبيحة داخل المملكة الأردنية لتعقب النشطاء واللاجئين وإفادة النظام بالمستجدات العسكرية والسياسية وحتى الإغاثية بالتعاون مع مؤيدي النظام المُغرر بهم من مواطني المملكة. أما التحرك الأكثر خطورة فكانت في لبنان المُنهك عندما تم القبض على الوزير اللبناني السابق ومستشار الرئيس السوري وأحد داعمي الأسد في حربه على الشعب السوري ميشال سماحة أحد أبرز رموز 8 آذار اللبناني بعد تلقيه – حسب التسريبات الأوليه من التحقيق- متفجرات كان يحملها من القيادة السورية ماراً بها عبر الحدود من غير تفتيش إلى داخل لبنان لتنفيذ مخطط خطير كاد أن يجر البلاد إلى حرب أهلية طائفية بكل تأكيد لولا انقلاب الشاهد الملك ميلاد كفوري, وإن كانت هذه الجريمة المُدبرة قد سبقتها أحداث جبل محسن وباب التبانة وتلتها عمليات الإختطاف والترهيب بالسلاح من قبل مجموعات مؤيدة لنظام الأسد من آل مقداد والقريبة من حزب الله مما استوجب على الجميع دق ناقوس الخطر على المنطقة بعدما برهن نظام الأسد سيطرته على مقاليد الحكم في لبنان وسيطرته عليها أكثر من سيطرته على أرض سورية نفسها والتي وثقها الأدرى بالحال والوضع الداخلي رئيس الوزراء السوري الأسبق المُنشق رياض حجاب.
حزب الله اللبناني "الحاكم" كان أول من أدان اعتقال ميشال سماحة ثم قرّر وطلب من مسؤوليه وحركة أمل بعدم التعليق إعلامياً على القضية وهو أيضاً من نأى بنفسه وبغير العادة عن تصرفات آل مقداد فاضحاً بذلك غطائه الأمني والسياسي ودور 8 آذار في تطبيق خطة نظام الأسد بإثارة الفوضى وإثارة الفتن بين الطوائف كي يرسل رسالة للمجتمع الدولي بأن زوال هذا النظام لن يحدث إلّا بخراباً على المنطقة.
الولايات المتحدة الأمريكية ودول الغرب لم تصرح ولم تفكر بالتدخل عسكرياً على الأرض حتى اللحظة ومع ذلك فهناك أصوات تطالب بعدم التدخل العسكري حفاظاُ على سيادة ومؤسسات الدولة التي تم تدميرها وكأن الشعب الذي يُباد ليس سيد الوطن وأساسه. تلك الأصوات والأقلام تتخوف عن أمر لاوجود له ورفَضه العالم حتى اللحظة وغاضين الطرف في المقابل عن التدخل الإيراني الروسي وأحزاب لبنانية عراقية أخرى بالمال والعتاد والجُند ودورهم الفاضح في قتل الأبرياء من الشعب الثائر الذي يذوق الأمرّين فمُرّ من نظام حكمه وقتله ومُرّ من أنظمة ادّعت صداقته فخذلته .. هؤلاء الأصوات لم تقدم حلّاً واحداً سياسياً غير مُجرّب.
إن فرض حظر جوي على سورية لن يكون أكثر دموية من ماتقوم به قوات الأسد عسكرياً حالياً والتي بحسب خبراء الحرب السابقين فإن النظام يرتكب فظائع لم تُرتكب من قبل ضد الإنسانية وضد المعالم التاريخية وضد الأماكن المقدسة وضد الثقافات والأعراق. وإن لعبة اللف والدوران الذي يقوم بها المجتمع الدولي والعربي في إطلاق عنان قوات الأسد بالهدم والتشريد بحجج التخوف والقلق من مابعد الأسد وعدم توحد المُعارضة لن تكون عواقبها إلّا وخيمة على أمنهم وتاريخهم وإقتصادهم وستكون علاقاتهم مع الشعوب العربية أكثر إلآماً لهم.
نظام الأسد يتلقى ضربات موجعة بتساقط كبار مسؤوليه العسكريين والسياسيين كأوراق الخريف بالإضافة إلى عشرات الجنود مابين منضم للجيش وهارب إلى الحدود يومياً وهو يعيش مضطرباً وفي حالة هستيرية داخل غرف الإجتماعات خوفاً من تفجير أو عملية نوعية من جنود منشقون ولم يُعلنوا الإنشقاق ظاهرياً وهي تنطبق على الكثيريين ممن مازالوا ينتظرون الفرصة للإنشقاق علناً. في المُقابل فنحن نشاهد مدى إصرار الثائرين من الشعب السوري على التخلص من آل الأسد وزمرته ورفضهم القاطع لأي حُكم أو تسوية سياسية تُبقيهم على الحُكم او خارج السجون بالرغم من الآم الفُرقة والتشريد والتجويع لكنهم مازالوا يتنفسون الحرية.
بين يدي المجتمع الدولي وخاصة العربي الفرصة الأخيرة بالتدخل لوقف ومنع نظام الأسد من إستخدام قواته الجوية على الأقل ولا أكثر ولا أقل وإلّا فإن النظام لن يتوقف أو يتوانى عن الإقدام وبمساعدة مواليه من الدول وخاصة إيران على كل ماكان يخشاه الغرب وما كان يخشاه الرافضون للتدخل الجوي والدليل هو العُنف المتزايد في الداخل والإضطرابات المتزايدة في المنطقة .