العيد الحقيقي هو لشركات الاتصالات ووسائل التقنية الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي


رسائل التهاني.. معايدات "باردة" تفيد شركات الاتصال وتضر العلاقات الإنسانية اعتبرها بعضهم أسهل وخروجاً عن الروتين وآخرون يرونها جحوداً وقطعاً للرحم .

الأعياد من المناسبات الخاصة التي تنتظرها الأسر للتقارب والتواصل مع الأهل والأحبة، وتوفير نوع من الترابط الأسري الذي يضيع في زحمة الحياة اليومية، إلا أنه ومع ظهور الوسائل التقنية الحديثة والجوالات الذكية، بدأت تحل محل التواصل الأسري، وباتت الرسالة والتهنئة عبر الجوال هي البديل عن الجو الأسري والحميمية العائلية، ما زاد من الفجوة بين أفراد الأسرة وقلل فرص الالتقاء والتواصل بين العائلة.
"سبق" تستطلع آراء الشباب في طرق التهاني والمعايدات وتتعرف على آراء المختصين.

عالم افتراضي
(فهد) قال إنه مع التكنولوجيا الحديثة التي أصبحت التهنئة فيها أيسر من الزيارات العائلية وخروجاً عن الروتينية، وباتت وسيلة مثالية لتهنئة الأهل والأقارب والتواصل المستمر معهم، وقال: وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة فتحت أمام المجتمع عالماً افتراضياً جعل من العالم كله قرية صغيرة.

الترابط الأسري
أما عبد الله الغامدي فيفضل الزيارات العائلية التي تدعم العلاقات الأسرية، خاصة إذا كان الأقارب نفس المدينة نفسها، ورفض تماماً إرسال رسائل تهنئة عوضاً عن الزيارات، وقال: الترابط الأسري والجو العائلي لا يكون إلا بالزيارات العائلية التي تزيد من الحميمية بين أفراد العائلة.

هناء العتيبي رأت أن التقنية الحديثة ليست بديلاً عن الزيارات العائلية، وقالت: أنتظر الأعياد والمناسبات الخاصة حتى تجتمع العائلة وتلتقي بالأهل، رافضة تماماً أن تكون وسيلة تواصلها مع عائلتها في الأعياد هي رسالة جوال.

فجوة الرسائل
واعتبرت (فاطمة) التهنئة عبر الجوال جحوداً وقطعاً للرحم مع الأهل والأقارب، مشيرة إلى أن وجود الأجهزة الحديثة خلق عند البعض نوعاً من اللامبالاة، وزاد من الفجوة بين أفراد العائلة بل ألغى المشاعر والعواطف بين الأفراد، حتى صارت الرسالة عوضاً عن الكلمة والابتسامة التي نراها في وجه الأهل عند التهاني والمعايدات.

ويبدي الجد عبد الله الشمري أسفه لعدم زيارة أحفاده له في قريته، وقال: أنتظر الأعياد والمناسبات لأرى أحفادي، إلا أنه منذ ظهور الجوالات الحديثة صارت هي عوضاً عنهم، وتابع: باتوا يرسلون لي صورهم لأتابع نموهم ويرسلون التهاني بدلاً من القدوم إلى القرية، ما جعلني ألعن كل وسائل التقنية التي بعدت أحفادي عني وصارت هي الصاحب بالنسبة لهم.

الشاب أحمد الغامدي قال لـ "سبق" أشعر بالملل من هذه العادات المفروضة التي تحتم ضرورة الزيارات العائلية. ورأى أن رسائل التهنئة لا تمثل عبئاً على الفرد ووسيلة مثالية للتواصل مع الجميع، وتلافياً للازدحام الموجود في الشوارع في وقت الأعياد.

سلاح ذو حدين
في البداية أوضح أستاذ تكنولوجيا الاتصال دكتور سعود كاتب أن وسائل التقنية الحديثة سلاح ذو حدين، حيث تختصر المسافات بين الأفراد في مختلف دول العالم عبر "رسائل الجوال، الفيس بوك، والسكايب"، وهي شكل من أشكال التواصل الجيد بين البشر، رافضاً أن تصبح هذه الوسائل بديلاً عن الزيارات والتواصل المباشر بين الأقارب.

وقال كاتب: إن التواصل المباشر بين الأفراد مختلف تماماً عنه عبر وسائل التقنية الحديثة، مؤكداً على ضرورة توعية الشباب بأهمية الزيارات العائلية للتهنئة، وتوثيق أواصر العلاقات الإنسانية، وشدد على دور الأسرة في توجيه الأبناء بأهمية التواصل الأسري الذي لا يوجد بديل تكنولوجي عنه مهما تطور الزمن، حتى لا تصبح هذه الوسائل عازلة للإنسان عن أقاربه.

"عيد" شركات الاتصال
وعلّق الكاتب إبراهيم نسيب ساخراً: إن العيد الحقيقي هو لشركات الاتصالات المستفيدة من الكم الهائل من رسائل التهنئة، مبدياً أسفه لطغيان وسائل التقنية الحديثة على العادات والتقاليد التي كانت مظهراً من مظاهر الفرح في الأعياد والمناسبات، وقال: للأسف الشديد اختفت الزيارات العائلية في العيد، لتصبح رسائل الجوال الباردة بديلاً للتواصل الإنساني المباشر.

وقال نسيب: إيقاع الزمن أصبح لاهثاً، وأثّر سلبياً على العادات والتقاليد، خاصة في المدن الكبرى، فلم يعد الأشخاص يتزاورون في العيد، حتى وإن كان الأقارب في المدينة نفسها، مؤكداً على احتفاظ القرى والمحافظات بروح العيد، والحرص على غرس روح التآلف الأسري في نفوس الأبناء منذ الطفولة، حتى يصبحوا شباباً يحافظون على العادات الأصيلة.

مصافحات كرتونية
فيما رأى الكاتب والمستشار التربوي نزار رمضان أن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت بديلاً للصاحب وللأسرة، مشيراً إلى أنها سرعان ما احتلت الدور الرئيسي عند الأبناء وأصبحت هي الرفيق والأم والموجه المربي.

ورأى أن التقنيات الحديثة توضح لنا وجود أزمة تربوية حقيقية في التربية السوية، ما دعا التربويين والعلماء المخلصين إلى حملات توعوية للمجتمع في فقه التعامل مع التقنية، حيث يرى البعض أن هناك مشكلة من الناحية التربوية في فن التعامل مع الجهاز وليس في الجهاز نفسه، ما يحث على ضرورة إحياء الحس والرقابة الذاتية لضبط الذات.

وأشار إلى وجود قاعدة وقانون لا بد أن يحيا بيننا وينتعش بثقافتنا، وهو أن كل من نستطيع التواصل معه تصافحاً أو زيارةً أو حديثاً، يكون التواصل الإلكتروني والتقني معه من قبيل النفل، أي بعد إتمام زيارته ومصافحته وحديثه، رافضاً تماماً فكرة أن تقوم رسالة تهنئة عبر الجوال مقام التواصل الجسدي والبصري والزيارات التي تزيد الحميمية مع الأسر، وقال: استخدام الأجهزة الصماء يزيد من الفرقة الاجتماعية ويغتال التواصل النفسي والوجداني.

ورأى المستشار التربوي أن هناك من أساء استخدام وسائل التقنية، بل أصبح الفرد في ظل تلك التقنيات لا يلجأ لحل مشكلاته بالطريقة السليمة، وبات هناك عزوف عن الجو العائلي، ونصح بضرورة أن تهتم الأسرة بعودة العلاقات بين أفرادها خاصة في المناسبات والأعياد، وأن نغير البسمة الالكترونية بالضحكة الطبيعية والمصافحة الكرتونية للمصافحة القلبية ومن لغة "اللايك والإعجاب" إلى التهاني العملية والحديث من القلب.