خير من ألف شهر

تعارف الناس على أنه من الممكن أن يفضّل إنسان شيئا على آخر . وسواء كان هذا التفضيل مبررا أو دون تبرير ، أُعتبر ذلك من الحقوق الخاصة التي لا يمكن مناقشتها . ومن ذلك عندما سُئلت أعرابية عن أحب أبناءها إليها ، أجابت بأنه الصغير حتى يكبر ، والمريض حتى يشفى ، والغائب حتى يعود . فمبدأ التفاضل أمر فطري ومعترف به .
لذلك لم يشذ الإسلام عن ذلك حين فاضل بين الأماكن . فمكة أحب الأماكن وأقدسها ، والمساجد هي بيوت الله وأحبها ، والمسجد الأقصى مبارك وما حوله ، والأيمان يئرز إلى الشام .ومصر كنانة الله في أرضه وفيها خير أجناد الأرض . وفضّل بعض الناس على بعض . فخير القرون قرني ثم الذين يلونهم .. ، والصحابة هم أخيار المسلمين وخيرهم أهل بدر ومنهم المبشرون في الجنة . وأكثر الأمة فضلا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أبو بكر فباقي الخلفاء الراشدين . والأنبياء هم خير الخلق وخيرهم أهل العزم وأفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم .
ومن الأزمان كان رمضان خير شهور العام ، والجمعة أفضل أيام الأسبوع ويوم عرفة خير يوم طلعت فيه الشمس . وخير الليالي ليلة القدر والتي جعلها ربنا خيرا من ألف شهر . ففيها أُنزل القرآن الكريم خير الكتب من اللوح المحفوظ إلى السماء . ومن ثم أنزله ربنا منجما خلال ثلاث وعشرين سنة ولم ينزل دفعة واحدة رحمة بنا وتفضلا وكرما من الله سبحانه الذي يعلم ما يصلحنا ويربينا ، فكان بناء الشخصية المسلمة بالتدريج ورسول الله بينهم يربي والقرآن يتنزل على قلبه الشريف هدى وموعظة ومنهج حياة .
في هذه الليلة المباركة التي يتضاعف فيها الأجر مضاعفة كبيرة تساوي عمرا كاملا . فأن يتضاعف الأجر والربح مرة أو عشرة أضعاف فهذا ممكن في دنيا البشر ، أما أن يصل إلى ألف فأكثر ، فتكون ليلة واحدة خير من ألف شهر ، فهذا لا يكون إلا من لدن لا تفرغ خزائنه ولا ينضب خيره . من بيده الأمر كله والخير كله . والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم .
ليلة مباركة قيمتها من أهمية وبركة القرآن الذي نزل فيها ، والأمة التي نزل إليها فكانت حافظته ووعاءه . ومن النبي الذي أُنزل عليه الوحي الكريم واللفظ المقدس ، ومن رب ذلك كله خالق الكون ورب العالمين .
في ليلة القدر المباركة ندعو لأنفسنا وأبناءنا وأهلينا ولكل من له حق علينا وللمسلمين بالمغفرة والرحمة والعتق من النار . ولأوطاننا أن يعمها الخير وأن تنعم بالأمن والأمان ويبعد عنها الأشرار . وللمسؤولين الإخلاص وعمل كل ما فيه المصلحة والخير . نسأل الله العفو والعافية ونرجوه الجنة ونحن نعلم تقصيرنا وجهدنا المقل وذنوبنا الكثيرة وعيوبنا الكبيرة . نتعلق بجوده وكرمه ورحمته فما خاب من استجار بجلاله وجنابه العظيم .