دعونا نعترف ان اجراء الانتخابات النيابية القادمة في ظل مقاطعة القوى الرئيسة على الساحة الاردنية، والمتمثلة بالاخوان المسلمين يخرج هذه الانتخابات عن اهدافها التي تقام من اجلها، وهي نقل قوة التأثير من الشارع الى المؤسسات، وهو ما ينزع التنوع المطلوب على تشكيلة المجلس القادم، ويفقده التمثيل الشعبي الحقيقي ذلك ان هذا التنظيم السياسي يعد الاكثر انتشارا في الاردن، والاقدر على تقديم الطرح السياسي الخاص بالمرحلة، وهو يحول اصوات الناخبين الى صيغة سياسية، بدلا من صبغتها العشائرية، والمناطقية.
وخروج الاخوان من سباق الانتخابات النيابية يفسح المجال لهواة شراء الاصوات، والتحول بها الى نواب باسم الشعب، ويفقد الاردنيين مرحلة قادمة من حياتهم السياسية في سياق ظروف دقيقة قد لا تحتمل المقامرة السياسية.
ولا مجال للمكابرة بامكانية اجراء انتخابات نيابية ممثلة في ضوء مقاطعة القوى الابرز على الساحة الاردنية، مهما بلغت دقة ونزاهة التحضيرات المرافقة لها، وهي القوى القادرة وحدها على نقل الحياة السياسية في الاردن الى مرحلة الحكومات المنتخبة ، والاولى اعادة النظر في قرار الشروع بالتهيئة للانتخابات في ظل المقاطعة التي ستعيد فرز المجلس الحالي الذي سيصار الى حله، او ما يشبهه، ويجدر ان نتذكر درس الايام الماضيات عندما واجهت الدولة الاردنية ظروفا في منتهى الخطورة ، ولم تكن محصنة بدرجة كافية بمؤسسات قوية تحافظ على استقرارها، واهمها البرلمان غير المعزول شعبيا.
والاجدى عدم قراءة الحياة السياسية من جانب واحد او بالقطعة وانما بالشمولية التي تتيح وضع الحلول والتصورات حيال المستقبل، وليس يوما بيوم ، فاذا تمكنت الدولة الاردنية من اجتياز هذه المرحلة الخطرة، فهي معنية بوضع اساس التعامل مع كافة المراحل اللاحقة التي قد تضعنا بذات الدرجة امام استحقاقات مرة، وقد نفشل في مواجهتها اذا تركنا فرصة الاصلاح تفر من بين ايدينا، والاصلاح لا يمكن ان يتم دون مشاركة الجميع في بناء القاسم الوطني المشترك.
والاخوان المسلمون الذي قد نلتقي معهم، ونختلف في كثير من القضايا، واحيانا في الرؤيا، والتصورات ازاء الاحداث الا انهم يظلون يعطون السمة الابرز للحياة السياسية في الاردن، وقد تمازجوا بالواقع الاجتماعي الاردني، وتداخلوا بين المكونات الشعبية، في حين فشل غيرهم في التواصل، وفرضوا وجودهم الاخلاقي والنوعي بغض النظر عن الانتماءات العشائرية والمناطقية للناس، وقدموا قيادات، ورموزا سياسية وشعبية ودينية متميزة، وأهلوا اجيالا في الدعوة الى الله، واستطاعوا ان يحدثوا نقلة نوعية في الحياة الحزبية المنظمة، ولهم مساهمات لا تخفى في الجانب الاجتماعي، والعمل الخيري في الاردن، وحضورهم لا يمكن تجاوزه لاي منصف، وقد يكون اجراء الانتخابات القادمة في ظل مقاطعتهم من الاخطاء البالغة التي ستتبدى آثارها السلبية في مرحلة قادمة لا محالة.
وهي دعوة لاعادة النظر بقرار المضي بالانتخابات النيابية دون الحصول على الاجماع الوطني المطلوب ازاء مفردة التغيير، وهي التي تضع الاساس لاقامة مؤسسات دستورية معبرة عن الاجماع الوطني، وتحمي الاستقرار، وبغير ذلك فنحن نتعامل مع كل مرحلة بمعزل عن التي سبقتها والتي تليها، وقد تفاجِئنا الايام بما لا يحمد عقباه.