الثعلب الذي دخل البستان
إن حيوية أي بلد تُقاس بعدد العقلاء الذين يستطيعون تطارح الأفكار، والتفاعل مع مجريات الأمور بمسؤولية، وكذلك فإن قيمة النُخب السياسية تتحدد بمدى قدرتها على الانفتاح على مستقبل أفضل من خلال تطوير خيارات استراتيجية أكثر نفعاً فيما يتعلق بالشأن العام، وذلك من خلال تحليل الواقع بعقلانية، وإدارة الخلافات على أسس ديمقراطية، والأخذ في الاعتبار اعتماد منظور مستقبلي مستنير. أمّا في حال كان الوضع مقلوباً، فإنّ الأوضاع تكون مزرية، وذلك لأن هذه النُخب، أو بعضها، قد تلجأ إلى إغلاق أبواب التفكير، والاعتماد على النمطية في تحليل الواقع، واللجوء إلى ممارسات تُعبّر عن "عجز فكري". وخطورة هذا لا تتمثل فقط في قتل الحيوية في الحياة السياسية، وإنما تدفع أيضاً باتجاه اتخاذ قرارات غير حكيمة، تكون لها عواقب سلبية، خاصة وأن عملية صنع القرار في أي بلد محفوفة بالتحديات المستمرة.
وفق هذا المنطق وعلى هذا الأساس، لا شك أن القلق يساور الكثيرين في خضم الحالة التي نراها تندفع باتجاه تشنجات ومواقف وقرارات قد تزيد التعقيدات التي من شأنها إضاعة فرص التقارب، خاصة وأن الحل السحري الذي يُرضي الجميع لا يتوافر لأحد، وبات الحديث عن مسارات الأحداث صعب للغاية، والخشية من أن نخرج من كل هذا كما دخلنا، "لعبة محصلتها صفر"، كما هي قصة الثعلب مع البستان، إذ تحكي لنا تفاصيل القصة ما حدث لثعلب شعر بجوعٍ شديد، وبعد أن مضى عليه ثلاثة أيام بلا طعام، رأى بستاناً حوله سور عالٍ، ولم يجد سوى فتحة صغيرة في السور، أدخل رأسه من الفتحة بصعوبة وسحب بقية جسمه شيئاً فشيئاً حتى تمكن من المرور من خلال الفتحة، وعندما دخل البستان وجد ما تمنى من الثمار والماء فأشبع بطنه منها وزاد، وعندما أراد الخروج للهرب قبل وصول أصحاب البستان، أسرع إلى الفتحة التي دخل منها، لكن بطنه المنتفخ منعه من ذلك، ورغم كل محاولاته إلا أنه باء بالفشل. ولم يجد أمامه أي مفر سوى الإختباء داخل البستان. وبعد أيام وبعد أن نال منه الجوع وهزل جسمه، رأى أنه يستطيع الخروج من ذات الفتحة التي كان قد دخلها وهو "جوعاناً" وهاهو قد خرج منها "جوعاناً" أيضاً!!.
لدينا الكثير من الخطوط العريضة لإيجاد حل يبعدنا عن اتخاذ إجراءات وقرارات من شأنها الدفع نحو التطرف في الموقف، فمصلحة الجميع الاستجابة للمطالب المشروعة الساعية إلى إشراك حقيقي لمختلف الفئات المجتمعية في عملية الإصلاح والبناء والتطور دون أن يكون هناك "طغيان" لأغلبية معينة على الآخرين. وعلى حساب الهوية الوطنية الجامعة، فالحل المطلوب لا يأتي إلا عبر إصلاح قائم على أساس الهوية الوطنية، والأهم من كل ذلك هو أن يتوافر الأمل بأن المستقبل الأفضل ينتظر الجميع، وهذا المستقبل يجب أن يكون عادلاً وأن يستفيد من حسنات الماضي وأخطائه، ويُعيد الحيوية التي تجمعنا على الخير وتحفظ بلدنا من كل سوء، فالبحث عن بدائل لا تكون "محصلتها صفراً" يحتاج إلى تمعُّن فيما حدث والنظر إلى المستقبل بصورة مختلفة بالإعتماد على سياسة ذات محتوى غني بالأفكار، وهذا سيوفر الكثير من الجهود. فالأردن يمكنه أن يتألق فيما لو اختارت النخب السياسية الانفتاح على مستقبل أفضل للوطن. ونتمنى أن لا تكون قصة الثعلب مشابه وتتطابق مع واقع بعض النُخب. وهذا الشعور يؤدى إلى عدم التفاعل مع ما يُطرح في الساحة، ولاسيما أن الكُلفة قد تزداد أكثر، وبالتالي تتجه الأمور نحو الشعور بالخيبة.