خوف أردني من 'إنقلاب' دستوري للاخوان المسلمين

حضرت إفطارا سياسيا لنحو 50 حزبيا في عمان بحضور قياديين من جبهة العمل الإسلامي هما الشيخ علي أبو السكر كبير مجلس شورى الحزب والدكتور موسى الوحش أحد القيادات الشعبية في مطبخ الإنتخابات للأخوان المسلمين.

قيادات أحزاب الوسط التي يفترض أنها محسوبة على الدولة وقريبة من النظام نصبت عمليا {كمينا} للشيخين الوحش وأبو السكرعلى أمل إقناعهما ولو بالتخجيل بضرورة تجميد قرار الإمتناع عن التسجيل للإنتخابات إلى أن يقضي ألله أمرا كان مفعولا.

خطب أولا بالناس الشيخ أبو السكر فأعلن وقوف الحركة ضد شعار {تغيير النظام} وتحدث عن إيمان الإسلاميين بالنظام وسعيهم لإصلاحه عبر النصح فقط.

فيما كان الوزير السابق حازم قشوع يحاول تذكير الإسلاميين بأدبياتهم مكررا عبارة {اللجوء إلى ولي الأمر} إستخدم أبو السكر تعبير {مرجعية} حتى لا تفلت منه عبارة ولي الأمر عند الإشارة للنظام.

عمليا وبعد ساعتين من الخطابات لم يتبق من قادة أحزاب الوسط إلا تقبيل رأسي أبو السكر وصاحبه حتى يوقعا على وثيقة تحث المواطنين على التسجيل للإنتخابات.

وبدا واضحا أن الدفاع عن قانون {الصوت الواحد} أقرب للمهمة المستحيلة حتى وقف وزير وسفير مخضرم وسابق أصبح من قيادات التيار الوطني اليوم هو صالح إرشيدات فألقى خطبة يعترض فيها ضمنيا على الإدارة الرسمية للمشهد الإنتخابي لكنه {يحوقل} ويأمل من الإسلاميين بصورة غير مباشرة أن يكونوا{أعقل} من الحكومة.

بصعوبة أفلت الرجلان من الكمين المنصوب بحب وحرص على تجنب الصدام بين الدولة والمعارضة فهما غير مخولين بالقفز خلال مناسبة إجتماعية مع أحزاب الوسط على قرارات مرجعية إتخذها المراقب العام للأخوان المسلمين فمسألة {التسجيل} اليوم هي عنوان الصراع الخفي بين الإسلاميين ومؤسسات النظام.

بوضوح وبدون أسرار تسعى السلطة لإقناع ما لايقل عن مليوني مواطن على الأقل بالتسجيل والحصول على بطاقة إنتخابية حتى يضعف معسكر مقاطعة الإنتخابات وتستطيع الدولة تنظيمها دون حتى إلتفاتة للمعارضة الإسلامية.

وبوضوح يسعى الأخوان المسلمون لعدم تمكين السلطة من الفوز بمباراة التسجيل حتى تقوى شوكتهم ويفرضون أجندتهم على إيقاع المشهد السياسي.

ألمح رئيس الوزراء فايز الطراونة إلى أن التحريض على مقاطعة الإنتخابات مخالفة دستورية ..هذا التلميح قد يتطور لاحقا ليصل إلى محاكمة من يحرض على مقاطعة الإنتخابات وسط صراع الإرادات الذي يحيط بالمواطن الأردني الذي لا يهتم بدوره لا بالإنتخابات ولا بالإسلاميين ولا بشيء أكثر من إهتمامه بتدبير مصاريف شهر رمضان المبارك ونفقات العيد الوشيك خصوصا أنه قريب من موسم العودة للمدارس.

المواطن الأردني المغلوب على أمره عالق تماما هذه المرة بين كماشة الحكومة التي تكاد تمسكه من تلابيب ثوبه لإجباره على تسجيل إسمه في كشوفات الناخبين الجديدة وسنديان فتاوى وإجتهادات التيار الإسلامي الذي يبلغ المواطنين بأن الواجب الوطني والديني يتطلب مقاطعة عملية التسجيل للإنتخابات. لسان حال الحكومة في حالة توتر قد تدفعه قريبا إلى إعلان عقوبات بحق المواطنين الذين يقاطعون الإنتخابات.

والإسلاميون قد يدفعهم الإصرارعلى فرض أجندتهم السياسية الخاصة إلى حد إصدار فتوى تعد من يشارك في الإنتخابات المقبلة بعقوبات عند الله يوم القيامة.

عقوبات الحكومة سريعة وعقوبات الإسلاميين مؤجلة أما المواطن العادي فهو يسكن في منطقة الجهل لانه لا يعرف بصورة محددة على ماذا يختلف القوم؟

لكن يمكن ببساطة ملاحظة أن المواطن الناخب الذي يفترض أنه محور إهتمام السلطة والمعارضة هو آخر من يفكر به الطرفان فأحد ما أقنع مطبخ الأخوان المسلمين بأن الحد الأدنى من القرص الذي يمكن أن يحظى به التنظيم بمناسبة قرب إنتهاء مراسم عرس الربيع العربي هو قانون إنتخاب متعدد الأصوات ينتهي بكتلة أغلبية ساحقة للإسلاميين.

بالمقابل إستطاعت كتيبة {الصوت الواحد} من رموز الحرس القديم والتيار المحافظ في أجهزة الدولة والنخبة إقناع مؤسسة القرار بأن أكثر من صوتين في القانون يعني سقوط الدولة تماما بيد الإسلاميين.

هذه الكتيبة تضم في جندها مستوزرين ونوابا وطامحين بكرسي النيابة ومسؤولين من الصنف الذي يقول عنه المخضرم عبد الهادي المجالي {لا يفهمون أصلا ما الذي يعنيه الإصلاح وما تعنيه الديمقراطية}.

لا أحد في الطرفين يريد إبلاغ المواطن العالق المسكين بسر الأزمة الحقيقي.

..سر أزمة الأردن اليوم يكمن في أن كتيبة الصوت الواحد أقنعت مؤسسة القرار بالسيناريو التالي: إذا لم يقر صوت واحد فقط سيحصل الأخوان المسلمون على 60 ' من مقاعد البرلمان المقبل وبالتالي سيسيطرون على المشهد ويفرضون تعديلات دستورية تنتهي بسحب أو تقليص صلاحيات الملك.

..هكذا بإختصار وببساطة قيل للنظام بأن جماعة الأخوان تضمر عمليا {إنقلابا} ليس فقط على قواعد اللعبة التاريخية معها ولكن على النظام نفسه وعبر صناديق الإقتراع.

لذلك حصريا تشددت الدولة بحزم وتخندقت وراء صيغة قانون الصوت الواحد وهي تعرف بأنه مرفوض شعبيا ولن يقود لا لإصلاح ولا لما يحزنون وسينتهي بتقييف طبقة نواب مماثلة ومشابهة للشخصيات التي يتظاهر الشعب ضدها منذ أكثر من عام ونصف.

المفارقة أن التيار الأخواني لم يرسل للنظام ما يطمئنه أو يضمن له عدم الجنوح للمغالبة بدلا من الأغلبية بمعنى السيطرة على البرلمان والإقتراب من صلاحيات القصر الملكي.

ولان ذلك لم يحصل ولا يحصل عمليا إلا في نطاقات فردية وراء كواليس إتصالات للإسلاميين مع أخرين وسطاء يرسلهم النظام الواحد تلو الواحد يبقى المشهد الداخلي منغلقا فمؤسسة القرار تريد إنتخابات قبل نهاية العام الحالي وتجازف بسمعة العملية الإصلاحية لكنها لا تريد سيطرة مطلقة للإسلاميين الذين لا يظهرون ميلا للتعاون والتطمين عمليا.

طبعا الخوف من إنقلاب الإسلاميين عبر بوابة البرلمان والدستور وصناديق الإقتراع هو سبب التشدد غير المفهوم احيانا مع قانون الصوت الواحد لكن قوى أساسية غير إسلامية في المشهد تشكك بسيناريو الإنقلاب الأخواني بل تشكك أصلا في وصول الإسلاميين لأغلبية تؤهلهم حقا لمثل هذا الإنقلاب.

جميل النمري مثلا مثقف يساري يكاد لا يصدق بأن أصحاب القرار يؤمنون حقا بأن التيار الإسلامي سيحصل على أكثر من نصف المقاعد في إنتخابات بأكثر من صوت ويؤكد: هذا تضليل وغير صحيح إطلاقا.

..حتى الإسلاميون أنفسهم لديهم إستعداد لتقديم سيناريو مغاير من طراز : نشارك في السلطة ولا نحتكرها.

مؤشرات قوية تجمعت لتدلل على أن سبب الأزمة الفعلي اليوم هو قناعة محسومة لدى المؤسسات المرجعية بأن تغيير قانون الصوت الواحد سيضع الدولة في حضن الشيخ همام سعيد، الأمر الذي لا تفترضه حتى شخصيات سياسية مهمة في النظام مثل طاهر المصري وعون الخصاونة ومروان المعشر وغيرهم.

وبقدر ما تعكس هذه الحقيقة مظاهر {أزمة الثقة} بين مؤسسة الحكم والتيار الشعبي الأول المعارض في الشارع والبلاد قد تؤسس مستقبلا لإنطباع سلبي جدا يؤشر على ضعف ثقة الدولة بنفسها في مواجهة الإسلاميين خصوصا وان الإصرار على قانون الصوت الواحد تطلب التضحية بما قررته حكومتان في الماضي الأولى برئاسة معروف البخيت والثانية برئاسة عون الخصاونة كما تطلب تجاهل توصيات لجنة الحوار الوطني التي قيل أنها تحظى بالغطاء.

لا أحد في المؤسسة الأردنية اليوم من خبراء الإصلاح والديمقراطيين مع قانون الصوت الواحد إلا ثلاثة مسؤولين فقط بالمستوى التنفيذي ونخبة من أعضاء البرلمان الذين يخشون الأخوان المسلمين إنتخابيا ويفضلون أن تبتلعهم مياه نهر الأردن حتى يجلسوا دوما بإسترخاء في حضن التمثيل والإمتيازات.

خارج مؤسسة الحكم نجح الإسلاميون في تشويه سمعة وسيرة قانون {الصوت الواحد} وفشل الإعلام الرسمي البائس للغاية في تغيير قناعات الناس رغم ما يشاع عن كتيبة إعلامية تتجهز لتشجيع الناس على التسجيل للإنتخابات والتصدي للمقاطعة وهي كتيبة أزعم مسبقا أنها لو تدخلت فعلا ستساهم مساهمة فعالة في إنتاج أصدقاء جدد للمقاطعة فغالبية المواطنين الأردنيين تتشكل قناعاتهم بالإتجاه المعاكس تماما لما يقوله رموز الإعلام الرسمي خصوصا المستعملين منهم بكثرة في صولات وجولات سابقة من الكذب والتضليل وهم كثر الان.