وخز الابر


في طفولتي ونتيجة اللعب والحركة الكثيرة ، وأحيانا المشاجرات التي كنت أتسبب فيها ، كانت ملابسي تتفسخ وتتمزق .

وكالعادة ... أعود الى المنزل بقميص ممزوع إما من ناحية الإبط ، أو من ناحية الأزرار .
وكالعادة أيضا ... بعد سماع بعض " البهادل " التي تشترك فيها العائلة بالكامل إلا أمي ، تقترب مني وتطلب مني أن " أشلح " القميص ، كي تخيطه لي .

ذات مرة عدت إلى المنزل ، وقد تفاجا الجميع من أن قميصي هذه المرة غير ممزوع وكانت ثمة نظرات اسغراب وعدم تصديق وثمة كلمات تتردد "مش معقول" ، " مستحيل " " مش ممكن " " مش عوايدك " ...ألخ .

ولكن هذه المرة لم يكن القميص هو الممزوع ، بل كان البنطلون ، فقد كان ضيقا بعض الشيء وما أن جلست حتى سمعت صوت التمزق من الخلف .

كالعادة كانت أمي تجلس ، وتقرب منها كومة الملابس الممزقة والإبر والخيطان ، أصعب شيء كانت تعانيه هو عملية " لظم الأبرة " تمسك الخيط من طرفه ثم تبله بفمها وتحاول جاهدة أن تقوى على بصر أنهكه العمر وانهكته القمصان الممزقة لأدخال الخيط في الأبرة .

ولكون هذه العملية دقيقة وصعبة وتحتاج بالنسبة إليها إلى وقت ، فقد كانت تعمد إلى أن تطيل الخيط قدر إمكانها ليكفي حياكة كومة ملابسي الممزقة حتى وأن كان لون الخيط غير متفق مع اللون الأصلي .

ذات مرة .. وجدت أن هناك نقطة دم على أطراف القميص الذي أصلحته أمي ، لم أعر الأمر اهتماما وقتها ، ولكن تكرر المشهد مع كل قطعة ملابس تخيطها أمي ، فمسكت يديها وتفحصتهما ، فوجدت أن هناك آثارا لعشرات الوخزات التي كان سببها أبرة الخياطة ، وقتها حزنت وتألمت وطلبت منها أن تسامحني ، ولكنها ردت وقالت "فداك يمه " ثم ضحكت وقالت "دير بالك على أواعيك يمه ما خليت علينا خيطان" .


تنويه ... لا علاقة لهذا المقال بالانتخابات .. لا من قريب ولا من بعيد .
ومن حاول تفسيره على أن حياكة العلاقة المتفسخة بين المواطن والحكومة حول الانتخابات لن تجد خيوطا تكفي لرثيها وإن الوطن والمواطن دوما هما وحدهما من يعانون وخز الابر .. فهو رأيه الشخصي لا رأيي .


المحامي خلدون محمد الرواشدة
Khaldon00f@yahoo.com