وازهر ربيع البوتاس ...

قبل ان ينقضي ربيع العام الحالي 2012 ، كان للبوتاس ربيع اخر ، اكثر اخضرارا وازهارا ، وما ان جاء الصيف حتى تجدد الربيع ، ليعيش عمال البوتاس ، منذ ما قبل نهاية النصف الاول من هذا العام ، ربيعا دائما ، ربيعا حقيقيا ، ليس كربيع من ارادوا لديارنا العربية ، الخريف الدائم ، والذين اصبح ربيعهم ، قول حق يراد به باطل . 

لقد تحقق لعمال البوتاس اجمل حلم راودهم منذ عشرات السنين ، حين حصلوا على مكافاة نهاية خدمة مجزية ، تعينهم على مواجهة عجز الشيخوخة وقساوتها ، وتوفر لهم ولابنائهم الحياة الكريمة ، وقد جاء ذلك نهاية الربيع الماضي ، بعد ان اضطروا وللاسف ، الى اضراب قاس عليهم ، كما هو قاس على الشركة ، اضطروا له امام ضعف قمة هرم الشركة السابق ، فجاء الانجاز مقرونا بانجاز اخر ، الا وهو عودة نقابتهم لهم ، نقابة المناجم والتعدين ، بعد غياب عن الواقع ، والمعاناة لسنوات ، كان راس النقابة فيها قد ابتعد عن العمال وقضاياهم ، ملتفتا فقط الى مصالحه الشخصية ، فكان رفضه الاضراب ، ووقوفه ضد مطالب العمال ، سببا في رفض العمال له ، وحتى لمجرد حضوره للموقع ، فجاءت فرصة تاريخية لاعضاء النقابة من عمال البوتاس ، وهم الاكثرية في هيئتها الادارية ، ومنهم نائب رئيس النقابة ، ليتولوا قيادة الاضراب بنجاح فاق التصور ، بعد ان تحرروا من الهيمنة التي عطلت دورهم سابقا ، كما كان هناك دور بنفس الاهمية ، لاعضاء لجنة عمال البوتاس ، وهي هيئة فرعية منتخبة ، تابعة لنقابة المناجم والتعدين ، لكنها مقتصرة على عمال البوتاس فقط ، فعادت الثقة المفقودة بين النقابة وعمال البوتاس ، خلقت حالة من الانسجام ، والالتزام بالقضايا العمالية ، فكانت عودة النقابة الى عمالها ، بمثابة الربيع الثاني في البوتاس . 

ووصل الربيع الى ذروته اوائل هذا الصيف ، حين استشعرت حكومتنا الرشيدة ، واشعر انني لاول مرة اصف الحكومة بهذا الوصف ، وانا اعني كل ما في الكلمة من معان ، استشعرت حكومتنا ، وبتوجيه من قائد المسيرة ، معاناة عمال البوتاس ، التي تفاقمت بعد الخصخصة ، نتيجة غياب الادارة العربية العليا ، الملتزمة بقضايا الوطن ، والبعيدة عن التنفيع الشخصي ، والتي كان يجب ان تكون ، عامل امان لعمال الوطن ، واقصد هنا منصب رئيس مجلس الادارة ، الذين شغله مع الاسف ، ومنذ بدء الخصخصة ، من لم يدرك هموم العاملين ومخاوفهم ، ولم يستمع لتظلماتهم ، بعد هيكلة رواتب العاملين عام 2008، والتي منحت العمال بشكل عام ، زيادات مجزية في رواتبهم ، عوضت عن تاكلها لعشرات السنين ، لكنها افتقدت لابسط اسس العدالة ، حين صارت فرصة لبعض مرضى النفوس ، من بعض المدراء العرب ، الذين وجدوا في عهد الخصخصة ، والسلطة المطلقة التي منحتها لهم الادارة الكندية ، اجواءا ملائمة لانعاش فيروسات مجتمعنا ، الاقليمية والفئوية والطائفية ، فمارسوا القهر والظلم والتمييز ، ومنح الامتيازات والترقيات ، وفق ما تمليه عليهم تلك الفيروسات ، لم يكتفوا بتمييز البعض ممن لا يستحق ، بل حرموا من يستحق من ابسط حقوقه ، فالسلطة التي منحت لهم ، والاغراءات المالية التي لم يحلموا بها يوما ، كانت وبالا على عدد كبير من العاملين . 

الى ان جاء تعيين ابن الاردن المخلص ، الوزير والنائب السابق ، المهندس جمال الصرايرة ، رئيسا لمجلس الادارة ، وهو المعروف بالاخلاق والتواضع والورع وحب الخير ، وهو البعيد عن كل شبهات الفساد ، وممن انعم الله عليهم بجهدهم واجتهادهم ، لا يسعى لراتب او تنفيع ، بقدر ما يسعى لخدمة وطنه وابناء شعبه فعلا لا قولا ، فاستهل عهده بتلبية احتياجات المجتمع المحلي ، المحيط بشركة البوتاس ، وانفق بسخاء لتوفير مستلزماته ، بعد سنوات من ابتعاد الشركة عن محيطها ومجتمعها المحلي ، نتيجة غياب الدور الوطني ، للادارات العربية العليا في عهد الخصخصة . 
لقد جاء تعيين رئيس مجلس الادارة الجديد ، في الوقت الذي شهدت فيه شركة البوتاس ، مفاوضات شاقة بين نقابة العاملين والادارة الكندية ، لايجاد الالية الملائمة ، لتوفير المورد المالي ، وتحديد الية صرف مكافاة نهاية الخدمة ، التي تحققت لعمال البوتاس ، فكان الرئيس الجديد مفاوضا عن العمال لا ندا لهم ، زرع الاطمئنان في قلوبهم ، واصبح موضع ثقة الجميع ، والضامن لحقوق العمال ، والضياء الذي انار لهم قادم الايام ، وهو الذي حطم لهم احد اوكار الفساد ، وارعب بقية الاوكار ، ووعدهم بالاجراء الاصح ، باعادة دراسة الهيكلة من جديد ، واقرارها بشكل عادل ، وهذا ما نحن متيقنون من حدوثه ، ان منحناه الوقت الكافي . 

لاول مرة في تاريخ البوتاس ، يتم تكريم العاملين في الموقع وعائلاتهم ، بطريقة لائقة ، تنم عن احترام الادارة العليا لهم ، فجاء هذا التكريم خلال شهر رمضان الحالي ، حين دعا رئيس المجلس ، العمال وعائلاتهم الى حفل افطار في موقع متوسط ، بين الادارة في عمان ، والمصانع في غور الصافي ، فاقيم الافطار في فندق موفينبك البحر الميت ، وهم الذين كان يقام لهم الافطار سابقا ، في اسكان وضيع في المصانع ، بينما فنادق الخمسة نجوم ، من نصيب موظفي عمان وعائلاتهم ، لقد كانت هذه الخطوة ، اثباتا عمليا للنهج الجديد لمعالي الرئيس ، نهج احترام الموظفين ، والمساواة بينهم . 

لقد كان الافطار في موفينبك البحر الميت ، اشراقة امل جديد لجميع العاملين في البوتاس ، الذين كان حضورهم مميزا ، لقد وجدنا ابن الاغوار ، عامل المياومة البسيط وعائلته ، يجلس قرب المدير وعائلته ، وهو امر لم تشهده البوتاس من قبل ، كما كان حضور رئيس المجلس ، الذي لم تغادر الابتسامة والضحكة محياه ، خير "معزب" للعمال ، بتواضعه الجم ، وانفتاحه على الجميع ، والكلمة التي القاها ، والكلمات العفوية التي القيت من العاملين ، ومن ممثلي المجتمع المحلي ، خير استفتاء على حسن الاختيار الحكومي المستنير بالقيادة الهاشمية ، لمن يقود مسيرة اكبر صرح اقتصادي في الاردن . 

لقد كانت الابتسامة التي انطبعت على شفاه كل الحاضرين ، وبريق الامل في العيون ، هي بمثابة التصويت ب "نعم" لرئيس مجلس الادارة الجديد ، نعم ، لعودة ادارتنا العليا لنا ، نعم ، لعودة نقابتنا ، نعم ، للانجازات القادمة ، نعم ، للعمل الدؤوب والاخلاص لرفعة شركتنا وتقدمها ، نعم ، لقيادتنا الهاشمية ومليكنا المفدى ، نعم لربيع البوتاس الدائم . 

ماهر الموسى 
14/8/2012