نمو قطاع "التنبيش" في الحاويات

تقدّر أمانة عمان كمية المواد المدوّرة التي يجمعها الباحثون في حاويات النفايات في العاصمة بحوالي 500 طن يومياً، وهي تشكل حوالي سدس إجمالي نفايات سكان العاصمة. وهذا يعني أن هناك عدة ألوف يعملون في تدوير النفايات بهذه الطريقة (نبش الحاويات).

قبل خمسة عشر عاماً كنت أجري بحثاً ميدانياً طويلاً شمل في ما شمل فئة الباحثين في حاويات النفايات في عمان، كان عددهم بالعشرات وكاد يعرف بعضهم بعضاً، وكانوا يقومون بعملهم ليلاً فقط، ولهذا كانت تسميتهم الدارجة هي "السرّيحة الليليين" تمييزاً لهم عن "السرّيحة النهاريين" الذي يجمعون الخردة والمواد التالفة من البيوت.

كان لكل "سرّيح ليلي" خط سير خاص به في شوارع معينة وفي غرب عمان فقط، وكان يوم العمل يبتدئ بعد منتصف الليل وينتهي مع بزوغ الفجر، وبعد ذلك يبدأ وقت فرز المواد وتنظيفها وبيعها بحسب الصنف، وهناك بعض التفاصيل لهذا العمل.

اليوم هناك قطاع متكامل يعمل في هذا الميدان وعلى مدار الساعة بما يشمل كل حاويات العاصمة في شرقها وغربها، وقد دخلته كل الفئات من الأطفال والشباب والشيوخ والنساء، وتتم زيارة الحاوية الواحدة أكثر من مرة في اليوم الواحد. ولم تعد الظاهرة مقتصرة على العاصمة عمان، فهناك اليوم "سرّيحة" في كل مكان، في القرى والمدن البعيدة وعلى جوانب الطرق الخارجية.

المقاربات الرسمية للظاهرة لا ينظمها منطق موحد، بعضهم يريد أن يمأسسها وأن يحول "النباشين" إلى عمال في شركات تدير الأمر، وبعضهم ينشغل في أن "النباشين" ليسوا من الفقراء بدليل الدخل الذي يحققونه، وبعضهم يعتني بجانب عمالة الأطفال في الأمر، وقسم لا يعنيه سوى منظر الحاوية بعد أن تتعرض للنبش وتتبعثر محتوياتها، وقسم آخر يريد القضاء على الظاهرة ككل لأنها تسيء إلى الوجه الحضاري، في حين أن الأمانة تفكر الآن بمشروع تدريب السكان على فرز نفاياتهم مسبقاً قبل الوصول إلى الحاوية.