الهاتف الحكومي

كنت أقف بجانب أحد المراجعين في إحدى الدوائر الحكومية، وقد لفت انتباهي وهو يطلب من الموظف المسؤول رقم هاتفه الخلوي، وقد استجاب الموظف لطلب الرجل بطريقة جعلتني أفكر بالرعب الدركي العثماني الرابض في أعماقنا والذي يجعلنا نستجيب لأي واحد يطلب منا هويتنا الشخصية، أو رقم هاتفنا الخلوي. ذلك ان مثل هذه الجرأة بالطلب لا يجرؤ عليها سوى ابن الحكومة.

الموظف الذي استجاب لطلب الرجل والذي لا يخلو من الخبث جعلني أستدرج ذاكرة هاتفية خاصة بالهواتف الحكومية. فنحن قبل أن نصل الى المرحلة الخلوية هاتفياً، كان الموظف عندنا يناضل نضال المستميت حتى يحصل على هاتف يوضع على طاولته، وقد كان كبار الموظفين يضعون أكثر من هاتف أمامهم من باب الاستعراض والوجاهة الوظيفية. وحينما كان يرن هاتفه الارضي كان بدنه يرتجف وكأنه سمع دوي انفجار!!

لكننا وفي مرحلة الهاتف الخلوي فإن الأمور اختلفت تماماً، فقد تحولت «البدالة» في أي دائرة حكومية الى دعوة لسماع الموسيقى، التي تقضم من فاتورة هاتفك الخلوي، وحين يشفق عليك عامل «البدالة» فأنت سوف تعود لسماع الموسيقى ذاتها، وما عليك هنا سوى أن تنتظر الى ما شاء الله!!

السبب وببساطة متناهية أن الموظف المطلوب يتعامل مع هاتفه الارضي بنوع من الاحتقار التكنولوجي، وقد لا حظت في العديد من الدوائر الحكومية ان الموظف لا يرد على الهاتف الأرضي،وأن بعض الموظفين قاموا وبنوع من التعمد بإخفاض صوت رنين الهاتف حد الامحاء!!

لكن هذا الموظف وحين يرن هاتفه الخلوي تراه ينهض من مقعده كالملدوغ، ويستجيب لصاحب المكالمة، ومن ثم يبدأ بالتمشي الهاتفي!! وربما من هنا استطعت أن أخمن السبب الرئيس الذي جعل ذاك الرجل يطلب من ذاك الموظف رقم هاتفه الخلوي. ذلك ان هذا الرجل تحديداً يعرف ان الهاتف الحكومي الأرضي صار من الفكاهات التكنولوجية!!

والحال فاننا بحاجة جادة لكي يقوم المسؤول في الدائرة الحكومية بالغاء الهواتف الأرضية، والغاء فواتيرها الشهرية، والكف عن اطلاق تلك الموسيقى التي لا توصل الا للرنين الذي لا يصل الى أذن الموظف!!.