زمن الإخوة الأعداء!!

ما من زمن نسب امبراطورية أو حركة أو ايديولوجيا وما ينسب اليه كل ذلك هو العصور وليس الزمان رغم ان أهل هذه الايام خلطوا حابل الزمن بنابل التاريخ، وفي أحد الافلام العربية الذي حمل اسم حاتم زهران كان المقصود بذلك شيئاً مجازياً مما أتاح الفرصة لآخرين بحيث ينسبون الزمن الى زعيم أو حتى راقصة، وأذكر ان الفنانة فيفي عبده رفعت دعوى قضائية ضد صحفي أطلق على الزمن الذي يعيشه اسم زمن فيفي عبده.

وأخيراً اطلقت فضائية عربية على برنامجها الحواري اسم زمن الاخوان، لأن الاخوان المسلمين فازوا في الانتخابات في أكثر من بلد عربي، لكن الآخرين ليسوا خارج الزّمن؛ فالديمقراطية لا تقدم بوليصة تأمين أبدية لحزب أو تيار أو زعيم، لكن ما أثار الانتباه في هذا البرنامج الحواري هو ان المرشد السابق للاخوان المسلمين في مصر مهدي عاكف رفض تسمية هذا الزمن بزمن الاخوان، وظننت في البداية ان الرجل يرى في الزمن متسعاً لكل الاطراف والاطياف، لكنه سرعان ما قال ان زمن الاخوان لم يأت بعد وهو حين يأتي تكون فيه الرئاسة والبرلمان والشورى والدبلوماسية كلها للاخوان، ومن حق المرشد ان يحلم بذلك، لكن من حق الآخرين أيضاً ان يحلموا بما يرونه تحقيقاً لمطالبهم، وتلك حكاية تطول!.

لقد كان الزمن في روسيا وغيرها من دول شرق اوروبا لعقود طويلة ماركسياً بامتياز، لكن وجود علماء مثل زاخاروف وروائيين كبار مثل سولجنستين وشعراء عالميين مثل برودسكي جعل ذلك الزمن موزعاً بين الماركسية ومن ينتقدون التجربة برمتها بدءاً من رأس المال.

وقديماً قال الشاعر العربي من سَرَّه زمن ساءته أزمان، ونرجو أن لا ينطبق هذا القول على حزب أو جماعة أو تيار سياسي، لان الديمقراطية في حال تحققها تخرجنا من هذا النطاق، حيث لا يفرط بالمقعد جنرال أو زعيم الا اذا سقط السقف عليه ومادت به الأرض.

ان زمننا ليس زمن الاخوان أو الليبراليين أو اليساريين، ولن يكون الزمن بكل ما يعنيه من شمول وعمق وامتداد حكراً على أحد، لكنا قد نتجرأ لتسمية هذا الزمن العربي بزمن الاخوة الأعداء، حيث لم يسبق للعرب ان تخندقوا ضد بعضهم وتآكلوا كما يحدث الآن، فلا البسوس ولا داحس والغبراء ولا الغساسنة والمناذرة بلغوا ما بلغنا من أكل لحم الأخ حيّاً وميتاً.

سمّوه ما تريدون، لكنه يبقى عصياً على الاقامة في خانة واحدة، والاخوة الأعداء يتكاثرون كالكائنات وحيدة الخلية، ويأكل بعضهم بعضاً، ويعودون الى أقذع ما انتجت الجاهلية من هجاء متبادل، وتخوين متكافىء، والحبل على الجرار.

انه زمن تتكثف فيه الأزمنة كلها، وان كان الاردأ؛ فلأن ما ترسب فيه من أزمن رديئة جعله أشبه بالنهايات، لكنها نهايات لا بد أن تعقبها قيامات ايضاً، فالسفينة التي تتحطم وترتطم بقاع البحر، لا بد أن تطفو أشلاؤها على السطح، ومن قالوا اشتدي أزمة تنفرجي، تفاءلوا أكثر من اللازم.. فاشتداد الأزمات الآن يعني انفجاراتها وليس انفراجاتها!.