الإباحية مدخلا لحجب حرية تدفق المعلومات

استجابة لدعوات أطلقها البعض، ستقوم الحكومة قريبا بطرح قانون جديد للاتصالات يتضمن حجب المواقع الإباحية ومواقع أخرى "يشكل محتواها خطورة على المواطنين”. هذا الحجب إن حدث سيكون الأول في تاريخ الأردن الذي انتهج وبكل حكمة سياسة الإنترنت المفتوح تاركا للمواطنين الحرية في ضبط كيفية استخدامهم للإنترنت.

هيئة تنظيم قطاع الاتصالات، وبدون انتظار للقانون ارسلت لمزودي الإنترنت في الأردن بكتب رسمية كان آخرها في الثامن من الشهر الحالي للضغط لاتخاذ إجراءات لحجب المواقع الإباحية، وهذا قرار إداري بحت غير ديمقراطي وغير مستند إلى قانون ويتضمن نوعا من التهديد المبطن لهذه الشركات المزودة للإنترنت بضرورة اتخاذ إجراءات الحجب سريعا.

لا نعرف ما هو الذي استجد ليجعل من قضية حجب المواقع أولوية في هذه المرحلة. هل تم عمل دراسة أثبتت أن الشبان المشاركين في المشاجرات الجماعية والمواطنين الذين يستخدمون العنف يوميا، أو الحوادث المتكررة للسيارات أو الفساد الذي نهب الدولة الأردنية يعود إلى استخدام المواقع الإباحية؟ قطعا لا، ولكن بالنسبة لقوى تريد أن تمارس الوصاية على عقول الناس في القرن الحادي والعشرين فإن حجب المواقع الإباحية هو الخطوة الأولى نحو حجب المعرفة بحد ذاتها.

يمكن لأية مؤسسة أردنية أن تستخدم برامج الحجب والفلترة الخاصة لمنع موظفيها (وخاصة الحكوميين) من الدخول إلى المواقع الإباحية اثناء الدوام الرسمي، ويمكن لأي رب أسرة قلق من كيفية استخدام أبنائه للإنترنت أن يستخدم نفس نظم الفلترة "بشرط مراقبة كافة الأقراص المدمجة والإنترنت المحمول أيضا” في ضبط استخدام الإنترنت في المنزل. هذه اساليب للرقابة الذاتية تتناسب مع المنطق ومع حرية تدفق المعلومات ولكن السيطرة المركزية لا يمكن ألا أن يساء استخدامها.

الكثير من الدول حاولت ولا زالت أن تمنع المواقع الإباحية مركزيا وفشلت بسبب تعدد وسائل تجاوز هذا المنع والحصول على "الموارد” بأساليب أخرى، كما أن كل هذه الدول بلا استثناء تحجب أيضا بعض المواقع الإخبارية والسياسية والمدونات وغيرها من التي تشكل مساحات مناسبة للنشاط السياسي المعارض. نقل هذه التجربة الفاشلة إلى الأردن ليس فقط إهانة لذكاء ووعي الأردنيين بل هو مدخل مباشر لمزاجية بعض اصحاب القرار الإداري والسياسي في المؤسسات الرسمية لمنع تدفق المعلومات واستخدام مصطلحات فضفاضة مثل "حماية الأخلاق العامة” لمنع طيف واسع وكبير من المنتجات الإعلامية والاتصالية.

رداً على هذا التوجه قامت مجموعة نشطاء من رجال ونساء، من أمهات وآباء، بإطلاق حملة مضادة، بعنوان "بعرف أحمي حالي” اجتذبت اكثر من 12 ألف مؤيد خلال شهر وتتضمن المطالب الأربعة التالية؟

أولاً: رفض التدخل في حرية الانترنت ورفض سياسة حجب المواقع.

ثانياً: نشر الوعي ببرامج ووسائل الحماية المنزلية (والمدرسية والمكتبية) التي تمكن المستخدم من حماية نفسه وأولاده من اي محتوى ضار (حسب الرغبة والمعايير الشخصية).

ثالثاً: دعوة شركات الاتصالات لتوفير إنترنت مفلتر مجاناً وبشكل اختياري عند الإشتراك او بعده، مع تجنب اي نوع من الحجب المسبق.

رابعاً: الدعوة إلى سياسة التربية الواعية كأفضل وسيلة للحماية. فالوعي الذاتي هو افضل حماية ضد مخاطر الانترنت.

هذا هو التوجه الصحيح المتناسب مع الزمن الجديد ومع كافة مبادئ حقوق الإنسان وحق المعرفة والأخلاقيات العامة.